{لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (٥٨)} يعني أنّها إذا غَشِيَتِ الخَلْقَ بِشَدائِدِها وأهْوالِها لَمْ يَكْشِفْها عنهم أحَدٌ ولَمْ يَرُدَّها، وتأنيث "كاشِفةٌ" على تقدير: نَفْسٌ كاشِفةٌ (١)، ويجوز أن يكون مصدرًا كالخائنة والعاقبة والباقية والداهية (٢)، والمعنى: ليس لها من دون اللَّه كَشْفٌ؛ أي: لا يَكْشِفُ عَنْها ولا يُظْهِرُها غَيْرُهُ كقوله تعالى: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ}(٣)، و"دُونِ اللَّهِ" هاهنا اسمٌ لا ظَرْفٌ، لِسَلْبِ الإضافة معنى الظرفية (٤) نحو:
٣٠٣ - يا سارِقَ اللَّيْلةَ أهْلِ الدّارِ (٥)
قوله:{أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ} يعني القرآن {تَعْجَبُونَ (٥٩)} يريد: مِنْ إنْزالِهِ على محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فتكَذِّبُونَ به {وَتَضْحَكُونَ}؛ أي: تستهزئون {وَلَا تَبْكُونَ (٦٠)} مما فيه من الوعيد {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (٦١)} ساهون لاهون غافلون مُعْرِضُونَ، يقال: سَمَدَ
(١) هذا قول ثعلب، فقد قال: "قوله: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ}؛ أي: لا يكشفها إلا هو، وأدخل الهاء للمبالغة كقولك: رَجُلٌ عَلّامةٌ". مجالس ثعلب ص ٤٥٧، وذكره النحاس بغير عزو في إعراب القرآن ٤/ ٢٨٣، وبه قال الواحدي في الوسيط ٤/ ٢٠٥، وينظر: الكشاف ٤/ ٣٥، المحرر الوجيز ٥/ ٢١٠، الفريد للهمداني ٤/ ٣٨٩، البحر المحيط ٨/ ١٦٧. (٢) هذا قول الفراء في معاني القرآن ٣/ ١٠٣، وينظر: إعراب القرآن ٤/ ٢٨٣، الوسيط ٤/ ٢٠٥، التبيان للعكبري ص ١١٩١، الفريد للهمداني ٤/ ٣٨٩، البحر المحيط ٨/ ١٦٧. (٣) الأعراف ١٨٧. (٤) قال الأزهري: "أبو حاتم عن الأصمعي: يقال: يَكْفِينِي دُونُ هذا؛ لأنه اسم". التهذيب ١٤/ ١٨١، قال محقق التهذيب: "قوله: "لأنه اسم"؛ أي: ليس ظرفًا فيكونَ منصوبًا". (٥) من الرجز المشطور، لم أقف على قائله. التخريج: الكتاب ١/ ١٧٥، ١٧٧، ١٩٣، معانِي القرآن للفراء ٢/ ٨٠، المحتسب ١/ ١٨٣، ٢/ ٢٩٥، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٥٥، شرح شواهد الإيضاح ص ١٦٩، التبيان للعكبري ص ٧٧٤، ١١٠٣، شرح المفصل ٢/ ٤٥، شرح الكافية للرضي ٢٠/ ٢٦، ٢٤٨، ٢٥٢، همع الهوامع ٢/ ١٢٤، خزانة الأدب ٣/ ١٥٨، ٤/ ٢٣٣ - ٢٣٥، ٢٥١.