والجَبَلَ، ويقال: كَدِيَتْ أصابِعُهُ: إذا بَخِلَتْ، وكَدِيَتْ أصابِعُهُ: إذا كَلَّتْ فَلَمْ تَعْمَلْ شَيْئًا (١)، وقال المُؤَرِّجُ (٢). أكْدَى: إذا مَنَعَ الخَيْرَ، قال الحطيئة:
قوله تعالى:{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ} يريد: ما غاب عنه من أمر العذاب {فَهُوَ يَرَى (٣٥)}؛ أي: يعلم أن صاحبه يَتَحَفلُ عنه عَذابَهُ {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ}؛ أي: لَمْ يُخَبَّرْ ولَمْ يُحَدَّثْ {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦)} يعني أسفار التوراة {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)}؛ أي: صحف إبراهيم الذي وَفَّى، أي: أتَمَّ وأكْمَلَ ما أُمِرَ به.
ثم بيَّنَ ما في صحفهما، فقال: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨)}؛ أي: لا تُؤْخَذُ نَفْسٌ بِإثْمِ غَيْرِها، وهذا في صحف إبراهيم {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} عطف على قوله: "أنْ لَا تَزِرُ"، وهذا أيضًا ما في صحف إبراهيم وموسى.
والمعنى: ليس له جَزاءٌ إلّا جَزاءُ سَعْيِهِ فِي الدنيا، إنْ عَمِلَ خَيْرًا جُزِيَ خَيْرًا، وإنْ عَمِلَ شَرًّا جُزِيَ شَرًا، و"أنْ" هاهنا هي المخففة من الثقيلة، والهاء مضمرة، والتقدير: وأنه ليس للإنسان إلّا ما سعى {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠)} يوم القيامة فِي ميزانه {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١)} يعني: يُجْزَى الإنسانُ
(١) قاله أبو عبيدة وابن قتيبة، ينظر: مجاز القرآن ٢/ ٢٣٨، غريب القرآن لابن قتيبة ص ٤٢٩، وينظر: تهذيب اللغة ١٠/ ٣٢٣، غريب القرآن للسجستانِيِّ ص ١٤٩، الكشف والبيان ٩/ ١٥١. (٢) ينظر قوله في الكشف والبيان ٩/ ١٥١. (٣) من الطويل للحُطَيْئةِ، وليس في ديوانه، ويُرْوَى: "أكْدَى عَطاؤُهُ"، يقال: أكْدَى الرَّجُلُ أي: قَلَّ خيرُهُ. التخريج: الكشف والبيان ٩/ ١٥١، عين المعانِي ورقة ١٢٨/ ب، تفسير القرطبي ١٧/ ١١٢، البحر المحيط ٨/ ١٥٣، اللباب في علوم الكتاب ١٨/ ٢٠١، فتح القدير ٥/ ١١٤.