على خبر "إنّ"(١)، وقوله:{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ} يعني الثواب الذي أعْطاهُمْ {مُحْسِنِينَ (١٦)} في أعمالِهِمْ فِي الدنيا.
ثم أخْبَرَ عن إحسانهم ما هو؛ فقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)}؛ أي: ينامون، قيل (٢): "ما" هاهنا بمعنى الجحد؛ أي: كانوا لا ينامون بالليل، بل يقومون للصلاة والعبادة، وقيل: هو بمعنى "الَّذِي"؛ أي: كانوا قَلِيلًا من الليل الَّذِي يَهْجَعُونَ أي: كانوا قَلِيلًا من الليل هُجُوعُهُمْ؛ لأن "ما" إذا اتصل به الفعل صار في تأويل المصدر، كقوله:{بِمَا ظَلَمُوا}(٣)؛ أي: بِظُلْمِهِم (٤).
(١) ويجوز أن يكون رفعه على خبر مبتدأ محذوف، وهذان الوجهان قالهما الفراء والزجاج والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٨٤، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٥٣، إعراب القرآن ٤/ ٢٣٨ - ٢٣٩، وقد قرأ ابنُ أبِي عَبْلةَ واليمانِي: {آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} بالرفع، ينظر: شواذ القراءة ورقة ٢٢٩، عين المعانِي ورقة ١٢٦/ ب. (٢) هذا قول قتادة والضحاك والحسن ويعقوب الحضرمي وابن الأنباري، ينظر: جامع البيان ٢٦/ ٢٥٣ - ٢٥٤، إيضاح الوقف والابتداء ص ٩٠٦، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٢٣، الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٣٦٣، تفسير القرطبي ١٧٣٦. (٣) النمل ٥٢، ٨٥. (٤) هذان وجهان خلط المؤلف بينهما، فالأول: أن تكون "ما" موصولة، وعليه يكون المعنى: كانوا قليلًا من الليل الوقت الذي يهجعونه، قال أبو حيان: "وفيه تكلف". البحر ٨/ ١٣٥، والوجه الثانِي: أن تكون "ما" مصدرية، وهي مع ما بعدها في تأويل مصدر في محل رفع بدل من الضمير في {كَانُوا}، وخبر {كَانُ} قولُه: {قَلِيلًا}، والمعنى على هذا: كانوا قليلًا من الليل هجوعهم. ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٨٤، معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ٥٣، إعراب القرآن ٤/ ٢٣٩، مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٢٣، كشف المشكلات ٢/ ٣٢٨، التبيان للعكبري ص ١١٧٩، الفريد للهمدانِيِّ ٤/ ٣٦٢.