أوْلَى لهم، وهذا معنى قول ابن عباس (١) في رواية عطاء (٢)، واختيارُ الكسائي (٣).
قوله:{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ}؛ أي: جَدَّ ولَزِمَ فَرْضُ القتالِ، وصار الأمْرُ مَعْزُومًا عليه، وذلك عند حقائق الأمور، وإن العزيمة للرجال، فَأسْنَدَ العزيمةَ إلى الأمر لأنه فيه، كما يقال: نامَ لَيْلُكَ؛ لأن النوم فيه (٤).
وجواب "إذا" محذوف، يدل عليه قوله:{فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ}(٥) يعني النَّبِيَّ {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} من الشك، وتقديره: فإذا عَزَمَ الأمْرُ نَكَلُوا، وكَذَبُوا فيما وَعَدُوا من أنفسهم، ولو صَدَقُوا اللَّهَ في إيمانهم وجهادهم، لكان الصدق خَيْرًا لهم من المعصية، وقيل: المعنى: فلو صدقوا اللَّه في القلب كما قالوا باللسان إذْ أُمِرُوا لكان خيرا لهم.
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ} يقول: لعلكم {إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}؛ أي: أعرضتم عن الإسلام وما جاء به محمد عليه السّلام {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}؛ أي: تعودوا إلى ما
(١) ينظر قول ابن عباس في الوسيط ٤/ ١٢٦، مجمع البيان ٩/ ١٧٢، تفسير القرطبي ١٦/ ٢٤٤، وقال الدانِي: "وروى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: "فأوْلَى" تمام الكلام، ثم قال: "لَهُمْ طاعةٌ"، أي: للذين آمنوا منهم طاعةٌ وقولٌ معروفٌ". المكتفى في الوقف والابتدا ص ٣٣٠. (٢) هو عطاء بن أبِي رباح، واسمه أسْلَمُ القرشي بالولاء، أبو محمد المكي، تابعي ثقة فقيه كثير الحديث، نشأ بمكة، وانتهت إليه وإلى مجاهد فتوى أهلها، توفِّي سنة (١١٤ هـ)، وقيل: (١١٥ هـ). [تهذيب الكمال ٢٠/ ٧٠، الأعلام ٤/ ٢٣٥]. (٣) ينظر: اختياره في الوسيط ٤/ ١٢٦، مجمع البيان ٩/ ١٧٢. (٤) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ٢٦/ أ. (٥) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٥/ ١٣، وذهب أبو حيان إلى أن الجواب هو نفس قوله: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ}، فقال: "والظاهر أن جواب "إذا" قَوْلُهُ: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ}، كما. تقول: إذا كان الشتاء فلو جئتني لَكَسَوْتُكَ". البحر المحيط ٨/ ٨١، وينظر أيضًا: الدر المصون ٦/ ١٥٥، اللباب في علوم الكتاب ١٧/ ٤٥٤.