إلى الإنس، قال مقاتل (١): ولَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إلى الإنس والجن قبله، وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة، بدليل ما رُوِيَ عن الليث (٢) أنه قال: الجِنُّ ثَوابُهُمْ أن يُجارُوا من النار، ثم يُقالُ لَهُمْ: كُونُوا تُرابًا مِثْلَ البهائم.
وقال آخرون (٣): إنْ كان عليهم العقابُ في الإساءة، وجب أن يكون لهم الثواب في الإحسان مثل الإنس، وإلى هذا القول ذهب مالكٌ وابنُ أبِي ليلى، بدليل ما رُوِيَ عن الضَّحّاكِ أنه قال: الجِنُّ يدخلون الجنة، ويأكلون ويشربون، وهذا القول أصَحُّ؛ لأن المُسِيءَ منهم يدخل النار بدليل قوله تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}(٤)، فكان المُحْسِنُ منهم يدخل الجنة، واللَّه أعلم بِنا وبِهِمْ.
قوله تعالى:{وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ} شرط {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} وهذا جواب الشرط؛ أي: لا يُعْجِزُ اللَّهَ فَيَسْبقُهُ، وقوله:{وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ} أنصار يمنعونه من اللَّه {أُولَئِكَ} الذي لا يَجيبون داعيَ اللَّه {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٢)}.
(١) هذا رأي الليث بن أبِي سُلَيْمٍ، ورُوِيَ عن أبي حنيفة، ينظر: الكشف والبيان ٩/ ٢٣، شرح صحيح مسلم للنووي ٤/ ١٦٩، تفسير القرطبي ١٦/ ٢١٧، تفسير ابن كثير ٤/ ١٨٤، فتح الباري ٦/ ٢٤٦، الدر المنثور ٦/ ٣١٠. (٢) هو الليث بن أبِي سُلَيْمِ الكوفي الليثي، محدث الكوفة وعالمها، صدوق كان من أوعية العلم، ومن أكثر الناس صلاة وصيامًا، اسم أبيه أيمن وقيل: أنس، توفي سنة (١٤٨ هـ). [تهذيب الكمال ٢٤/ ٢٧٩ - ٢٨٨، سير أعلام النبلاء ٦/ ١٧٩: ١٨٤]، وينظر قوله في شفاء الصدور ورقة ٩٠/ أ. (٣) هذا مذهب الحسن والضحاك والأوزاعي وأبِي يوسف، ينظر: الكشف والبيان ٩/ ٢٣، شرح صحيح مسلم للنووي ٤/ ١٦٩، تفسير القرطبي ١٦/ ٢١٧ - ٢١٨، ١٩/ ١٨٩، تفسير ابن كثير ٤/ ١٨٤، فتح الباري ٦/ ٢٤٦. (٤) هود ١١٩، والسجدة ١٣.