التأكيد والتكثير، قال أبو حاتم (١)؛ يعني: قَلَبَهُمْ عما كانوا عليه من النعيم، ودليل قراءة العامة قوله: {وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨)}؛ أي: يكذبون من أنها آلهة تقربهم إلى اللَّه، وتشفع لهم عنده.
قوله عَزَّ وَجَلَّ:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ} يعني: وَجَّهْنا إليكَ يا محمد {نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} والنَّفَرُ والرَّهْطُ والقَوْمُ لا يُقالُ إلّا في الرجال دون النساء (٢)، وفي قوله:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ} حُجّةٌ على القَدَرِيّةِ؛ لأن اللَّه تعالى صَرَفَ الجِنَّ إلى نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالإرادة، وَلَمْ يأمرهم بذلك؛ لأن اللَّه تعالى قد يريد ما لا يأمر به فيكون، ويأمر بما لا يريد فلا يكون (٣).
وقوله:{فَلَمَّا حَضَرُوهُ} يعني الجن الذين صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يستمعون منه القرآن، وكانوا سبعةَ نَفَرٍ في قول الكلبي ومقاتل (٤)، وهم شاصر وناصر وَبَسا وَحَسا والأزد وأُبْنان والأحقم (٥)، وقيل: تسعة من جن نَصِيبِينَ، وهو قول ابن عباس (٦).
(١) ينظر قوله في الكشف والبيان ٩/ ١٩، تفسير القرطبي ١٦/ ٢١٠. (٢) قال الأزهري: "أبو عُبيد عن أبِي زَيد: النَّفَر والرَّهْط: ما دُون العَشرة من الرَّجال، وقال أبو العّباس: النَّفَر والقوم والزهْط، هؤلاء معناهم: الجمع، لا واحدَ لهم من لفْظهم للرِّجال دون النِّساء". التهذيب ١٥/ ٢٠٩. (٣) قاله النقاش في شفاء الصدور ورقة ١٩/ ب. (٤) وهو أيضًا قول ابن عباس وزِز بن حُبَيْشٍ ومجاهد. ينظر: جامع البيان ٢٦/ ٤٠، الكشف والبيان ٩/ ٢٢، مجمع الزوائد ٧/ ١٠٦ كتاب التفسير: سورة الأحقاف، الدر المنثور ٦/ ٤٤. (٥) ينظر في أسمائهم: جمهرة اللغة ١/ ٢٨٢، شفاء الصدور ورقة ٢٠/ أ، الروض الأُنُفُ للسهيلي ١/ ٢٣٦، ٢/ ١٨٠، عين المعاني ورقة ١٢٢/ ب، تفسير القرطبي ١٦/ ٢١٣، ٢١٥، الإصابة ١/ ٩٩، فتح الباري ٨/ ٥١٧. (٦) رواه الطبرانِيُّ عن ابن عباس في المعجم الكبير ١١/ ٢٠٤، وابن عَدِيٍّ في الكامل في =