ونصب "عارِضًا" الأول على الحال، وإن شئت على التكرير؛ أي: رأوا عارِضًا، وهو السحاب، سُمِّيَ بذلك لأنه يَعْرِضُ؛ أي: يَبْدُو فِي عُرْضِ السماء، قال الأعشى:
قوله تعالى:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ}؛ يعني عادًا {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ (٢٦)} يا أهل مكة؛ يعني: الذي أعْطَيْنا عادًا في الأرض من الخَيْرِ والقوة والأجسام والعمارة والأموال، ما إنْ مَكَّنّاكُمْ فِي الأرض يا أهل مكة.
قال أهل اللغة (٢): {مَا} في قوله: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ (٢٦)} بمَنْزِلةِ "الَّذِي"، يعني: في الذي إنْ مَكَّنّاكُمْ فيه، و {إِنْ} هاهنا في الجحد بِمنْزِلَةِ "ما" في النفي، وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه.
و {مَا} بمعنى "الَّذِي" أحسن في اللفظ من "ما"، أما ترى أنك لو قلت: رَغِبْنا فِيما إنْ رَغِبْتَ فِيهِ، لكان الأحسن أن تقول: قَدْ رَغِبْتَ فِيهِ، تريد: في الذي ما رَغِبْتُ فيه؛ لاختلاف اللفظين (٣)، وقيل (٤): معناه: فيما لَمْ نُمَكِّنْكُمْ فيه،
(١) البيت من البسيط للأعشى، ورواية ديوانه: "بتُّ أرْكبهُ". التخريج: ديوانه ص ١٠٧، جامع البيان ٢٦/ ٣٣، الكشف والبيان ٩/ ١٦، الحلل ص ١٩٤، المحرر الوجيز ٥/ ١٠٢، عين المعانِي ورقة ١٢٢/ أ، البحر المحيط ٨/ ٦٤، التاج: عرض. (٢) هذا قول الفراء والأخفش والزجاج، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٥٦، معانِي القرآن للأخفش ص ١١١، ١١٢، معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٤٦، وحكاه النحاس عن المبرد في إعراب القرآن ٤/ ١٧٠، وبه قال الفارسي في المسائل المشكلة ص ١٧٦، ٣١٨. (٣) من أول قوله: "و"ما" بمعنى "الذي" أحسن في اللفظ" قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٤٦، وينظر: شفاء الصدور ورقة ١٩/ أ. (٤) قاله ابن عباس ومجاهد والفراء وابن قتيبة، ينظر: معانِي القرآن للفراء ٣/ ٥٦، غريب =