وقوله:{وَهُمَا} يعني والديه {يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ}؛ أي: يَدْعُوانِ اللَّهَ له بالهدى، والجارُّ محذوف والتقدير: يستغيثان باللَّه، ويقولان:{وَيْلَكَ آمِنْ}؛ أي: صَدِّقْ بِالبَعْثِ {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} بالبعث {حَقٌّ فَيَقُولُ} لهما: {مَا هَذَا} الذي تقولان {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧)} قيل (١): نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبِي بكر (٢) قبل إسلامه، والصحيح أنها نزلت في رجل كافرٍ عاقٍّ لوالديه.
قال الزجاج (٣): وقول من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبِي بكر قبل إسلامه يُبْطِلُهُ قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (١٨)}، أعْلَمَ أن هؤلاء قد حَقَّتْ عليهم كلمةُ العذاب، وعبدُ الرَّحْمَنِ مؤمنٌ من أفاضِلِ المؤمنين، لا يكون مِمَّنْ حَقَّتْ عليه كلمةُ العذاب.
قوله تعالى:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ}؛ يعني كفار مكة، فيقال لهم:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ}؛ يعني الرزق والنعمة التي كنتم فيها {فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا (٢٠)} ولَمْ تُؤَدُّوا شكْرَها، وانتصب "يوم" علي إضمار فعل تقديره: واذكر يا محمد يوم يُعْرَضُ كُفّارُ مكةَ على النار، و {أَذْهَبْتُمْ} يُقْرَأ بالاستفهام والخبر، قال الفراء
(١) هذا قول ابن عباس وقتادة والسدي، ينظر: جامع البيان ٢٦/ ٢٥، تفسير القرطبي ١٦/ ١٩٧، وقد أنكرت السيدة عائشة أن تكون هذه الآيات نزلت في أخيها عبد الرحمن، وهذا ما رواه البخاري في صحيحه ٦/ ٤١ كتاب تفسير القرآن: سورة الأحقاف، وينظر أيضًا: لباب النقول ص ١٧٥. (٢) شقيقُ أُمِّ المؤمنين عائشةَ رضي اللَّه عنهما، تأخر إسلامه إلى فتح مكة، ثم شهد اليمامة والفتوح، وتوفِّيَ فجأة سنة (٥٣ هـ) في طريق مكة، وقيل: بعد ذلك. [تهذيب الكمال ١٦/ ٥٥٥ - ٥٦٠، الإصابة ٤/ ٢٧٤ - ٢٧٦]. (٣) معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٤٣ - ٤٤٤ باختلاف يسير في ألفاظه.