قوله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} هذه قراءة العامة، وقرأ أهل الكوفة:{إِحْسَانًا}، وهي قراءة ابن عباس (١)، والمعنى: أمَرْناهُ بالإحسان إليهما إحْسانًا (٢)، وعلى قراءة العامة هو نصب على أنه قام مَقامَ مضاف محذوف، تقديره: ووصينا الإنسان بوالديه أمْرًا ذا حُسْنٍ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مُقامَهُ، وقرأ عيسى بن عمر:"حَسَنًا"(٣) بفتحتين تقديره: فِعْلًا حَسَنًا (٤).
ثم ذكر ما قاسَتْهُ الأُمُّ فِي حَمْلِ الوَلَدِ وَوَضْعِهِ، فقال:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} أي: بِكَرْهٍ ومَشَقّةٍ {وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا (١٥)} يريد: بِشِدّةِ الطَّلْقِ، وهما منصوبان بِنَزْعِ الخافض، قرأ حمزة والكسائي وعاصم وابن ذَكْوانَ:{كُرْهًا} بضم الكاف، ورُوِيَ ذلك عن الحَسَنِ، وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وأبو عمرو وأبو عبد الرحمن السُّلَمِي:{كَرْهًا}(٥) بفتح الكاف، وهو أوْلَى لأنه المصدر بِعَيْنِهِ، والكُرْهُ اسم للمصدر لا مصدر (٦).
(١) ينظر: السبعة ص ٥٩٦، حجة القراءات ص ٦٦٣، تفسير القرطبي ١٦/ ١٩٢، البحر المحيط ٨/ ٦٠، الإتحاف ٢/ ٤٧٠. (٢) قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه ٤/ ٤٤٢. (٣) وهي قراءة عَلِيِّ بنِ أبِي طالب والسُّلَمِيِّ أيضًا، ورُوِيَ عن عيسى أيضًا: "حُسُنًا" بضمتين، ينظر: مختصر ابن خالويه ص ١٤٠، المحتسب ٢/ ٢٦٤، ٢٦٥، البحر المحيط ٨/ ٦٠. (٤) من أول قوله: "على أنه قام مقام مضاف محذوف". قاله مَكِّيٌّ في مشكل إعراب القرآن ٢/ ٣٠٠. (٥) قرأ بضم الكاف أيضًا: خَلَفٌ وابنُ عامر ويعقوبُ، وهشامٌ بخلاف عنه، وقرأ بفتح الكاف، أيضًا، ابنُ كثير وهشامٌ والأعرجُ والعُطارِدِيُّ ومجاهدٌ وعيسى. ينظر: السبعة ص ٥٩٦، البحر المحيط ٨/ ٦٠، النشر ٢/ ٢٤٨، الإتحاف ٢/ ٤٧٠. (٦) قال الأخفش: "وقال بعضهم: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا}، وقال بعضهم: "كُرْهًا"، وهما لغتان، مثل الغُسْلِ والغَسْلِ، والضَّعْفِ والضُّعْفِ، إلا أنه قد قال بعضهم: إنه إذا كان في موضع =