كفا بعد لدواع، أو امتنعا بداءة ثم انصلح حالهم فاستحقوا الجبر والقبول، ومن هؤلاء عدد مذكورون طي الكتاب، مع أن بعض النقلة أفسدوا بعض النصوص بعدم سوقها بتمامها، ففوتوا إدراك أثر المراجعات النقدية ليحيى وصاحبه (١).
[٢ - عبارات للشيخين بمدلول نقدي]
إن كثيرا من المصطلحات التي لم تأخذ شكلا مسكوكا يمثل استقرار المعنى النقدي، تخضع لشروط القراءة اللغوية السياقية، ولذا فمجال الخطأ فيها وراد، ويبدو أن بعض العبارات التي تحمل حكما نقديا قد تدخل هذه الدائرة أيضا، ومن ثم يظهر مبلغ العسر في تحديد معناها في بعض الأحيان؛ مثاله (٢): قول أبي داود عن محمد بن جحادة الكوفي: «كل لا يأخذ إلا عن كل»(٣)، ضبط المحقق الكاف في الحالين بالضم، وبدا لي لأول الأمر أنه تصحيف، وأن الأجدر أن يكون الضبط بالفتح، فيكون المعنى أن فلانا ضعيف لا يأخذ إلا عن مثله؛ انتزاعا من قول الله جل وعز: ﴿وهو كل على موله أينما يوجهة لا يأت بخير﴾ [النحل: ٧٦]؛ لكن الذي ردني إلى الجادة، قول المؤلف بعد:«وأثنى عليه»، وهي قرينة صارفة عن المعنى المتبادر؛ ناهيك عن أن ابن جحادة من رجال الجماعة غير ضعيف بالمرة. لكن مع ذلك، يبقى تعبير «كل لا يأخذ إلا عن كل»، أبعد ما يكون عن نفس المحدثين، بل هو إلى نفس المتكلمين أقرب، زيدا على أنه تعبير غير مسموع، إذ لم نجده عند غير أبي داود على شدة تطلبه، ويوشك أن يكون ما في المناقل عن كتاب الآجري أجود لو لم يسلم من اضطراب؛ ففي «تهذيب الكمال»(٤): «كان لا يأخذ إلا عن كل…»، ولم يتمها، وهي في تهذيب
(١) ن: بعض المثل في مبحث تصحيحات الكتاب، خاصة عند العروض للكلام عن الوليد بن جميع. (٢) خارج كتاب الفلاس. (٣) سؤالات الآجري: ١/ ٢٠٢؛ ر: ١٧٣. (٤) ٢٤/ ٥٧٨؛ ر: ٥١١٤.