رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم». قال أبو حفص: فلما كان بعد قال: «عن عائشة»؛ فقلت لأبي عاصم: أنت أمللته علينا من الدفتر، وليس فيه عائشة. فقال: دعوا عائشة حتى أنظر فيه! (١). فانظر دقته إذ كان ذاكرا للحديث مستحضرا كيفية تلقيه عن شيخه إملاء.
ومنه أيضا؛ قوله:«سمعت رجلا من أصحابنا ثقة يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول في سجوده: «اللهم اغفر لخالد بن الحارث، ولمعاذ بن معاذ». فذكرته ليحيى، فلم ينكره (٢). وفيه أن الفلاس لم يكتف برواية الثقة عن يحيى حتى سمعه منه رأسا، وقد كان في إمكانه مع ذلك إسقاط الواسطة فلم يفعل، فدل على تحريه.
وإنه ليبدو هذا الإمعان في ضبط مخارج الرواية في بعض حكاياته في هذا الجزء؛ كقوله: سمعت رجلا يسأل يحيى عن حديث عبد الله بن السائب، عن زاذان في الأمانة، فقال له يحيى: هو عن سفيان والأعمش؛ فأيهما تريد؟ قال: حديث الأعمش. قال: تريد الاسم! أنا سمعت سفيان يقول: أنا ذهبت بالأعمش إلى عبد الله بن السائب حتى سمعه» (٣). فأظهرت حكايته أن سفيانا تقدم الأعمش في تلقيه حديث عبد الله بن السائب، وهو الذي دل الأعمش عليه.
وهذا الضبط والتحري والإدراك هو ما عبر عنه بالبصارة في الحديث، في حكمه النقدي على أبي حذيفة موسى بن مسعود حين قال عنه:«لا يحدث عنه من يبصر الحديث»(٤).
[٩ - وصف آخر مجلس للإملاء عقده الفلاس قبل موته بيوم]
من مخطوط الفوائد المنتخبة والحكايات المستغربة للحافظ ابن يشكوال (ت ٥٧٨ هـ)؛ قال: