كان يحيى بن معين من طبقة الفلاس ومن تلاميذ الشيخين، لكن شفوفه على أقرانه ظهر بشكل مبكر، وكان لآرائه النقدية المخالفة لشيخيه صدى في الكتاب، فنقل الفلاس ملمحا من ذلك في كتابه على استحياء؛ وذلك قوله:«وسمعت رجلا من أهل بغداذ من أهل الحديث - وهو: يحيى بن معين - ذكر إبراهيم بن مهاجر والسدي، فقال: كانا ضعيفين مهينين. فقال عبد الرحمن: قال سفيان: كان السدي رجلا من العرب، وكان إبراهيم بن المهاجر لا بأس به»(١).
قلت: لعل انتصار ابن مهدي لهما - خلاف ابن معين، وبعد السبب النقدي الموجب - لمكان أصالة نسبهما في العرب وأدبهما معه ومع صاحبه القطان وإن كانا موليين - فقد قيل في الأول: إنه مؤلى الأزد، وفي الثاني: إنه مؤلى تميم - يدل لذلك تنصيص يحيى بن سعيد على هاته العلة في قوله (٢):
«طلبت الحديث مع رجلين من العرب: خالد بن الحارث بن سلم الهجيمي، ومعاذ بن معاذ العنبري، وأنا مؤلى لقريش لتيم، فوالله ما سبقاني إلى محدث قط فكتبا شيئا حتى أحضر». وله شاهد من قول يعقوب بن سفيان (٣)، عن ابن مهاجر:«له شرف ونبالة، وفي حديثه لين». ثم إن ابن مهدي حدث عن سفيان عن ابن مهاجر. ون أنموذجا عنه في تاريخ ابن أبي خيثمة (٤). ولم أجد أحدا عرض لهذا الخبر بتعليل لأملأ منه اليد؛ فلعله يصح إن شاء الله.
وضريب ما مر قول المؤلف: «وذكر الرجل (٥) أيضا يونس بن أبي إسحاق فقال فيه؛ فقال عبد الرحمن: لم يكن به بأس. قال: وحدثني يحيى وعبد الرحمن جميعا عنه. قال: يحيى سمع منه. وعبد الرحمن، عن سفيان عنه» (٦)
(١) العلل: ر: ٣٠٧. (٢) تاريخ بغداد: ١٥/ ١٦٨. (٣) إكمال تهذيب الكمال: ١/ ٢٩٦؛ ر: ٢٩٦. (٤) السفر الثالث: ١/ ١٩٦، ر: ٤٩٩؛ ٣/ ١٧٠؛ ر: ٤٣١٨. (٥) هو: يحيى بن معين. (٦) العلل: ر: ٣٠٧.