[١ - صيغة الحكاية في العلل عن الشيخين في التحديث أو الترك وقيمتها عند النقاد]
حفلت كتب الرجال بنقل أحكام شيخي البصرة الأكبرين عن الرواة، وكان مقصود الفلاس وغيره بتحديثهما عن الراوي أو تركهما له: الاحتجاج وعدمه (١). واستقر ذلك في العرف النقدي عند المتقدمين والمتأخرين على حد سواء، بل إن روايتهما عن المجهول رفع للجهالة عنه وتمشية له، فقد سئل أحمد:«إذا روى يحيى أو عبد الرحمن بن مهدي عن رجل مجهول، يحتج بحديثه؟ قال: يحتج بحديثه»(٢).
ولم يختلفوا عنهما عند روايتهما معا عن الراوي أو تركه، وإنما اختلفوا إذا روى أحدهما وترك الآخر؛ فنقل أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي عن علي ابن المديني قوله:«إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن؛ لأنه أقصدهما، وكان في يحيى تشدد»(٣). وقال الذهبي عنهما: «انتدبا لنقد الرجال، وناهيك بهما جلالة ونبلا وعلما وفضلا، فمن جرحاه لا يكاد والله يندمل جرحه، ومن وثقاه فهو الحجة المقبول، ومن اختلفا فيه اجتهد في أمره، ونزل عن درجة الصحيح إلى الحسن، وقد وثقا
(١) سير أعلام النبلاء: ٤/ ٣٧٥؛ ر: ١٥١. (٢) سؤالات أبي داود لأحمد: ١٩٨؛ ر: ١٣٧. (٣) تهذيب الكمال: ١٧/ ٤٣٨. ون: موقفا أقل تفصيلا لابن المديني، نقله عنه الساجي في إكمال تهذيب الكمال: ٨/ ٢٣٥؛ ر: ٣٢٥٣.