ولا غرو أن يميز النقاد القرينين بهذه الخصيصة المنهجية؛ فإنهما فضلا عن امتناعهما عن الرواية عن الضعاف، فقد كانا يتبعان مروياتهم في كتب تلاميذهم فيخطئان عليها؛ مثلما حكى بندار، قال: «أخذ يحيى وعبد الرحمن القلم من يدي، فضربا على نحو من أربعين حديثا من حديث الحارث (٢) عن علي (٣).»
وإن الأمر ليصل بالشيخين إلى أن يستعديا على من لم يكف عن الرواية عن هؤلاء الهلكى ممن وقع إضفاقهما معا على تركه، حكاه أبو داود وقال: «استعدى عبد الرحمن بن مهدي على عيسى بن ميمون صاحب محمد بن كعب في هذه الأحاديث، فقال: لا أعود (٤).»
وصار هذا الصنيع من صيغة نفي تحديث الشيخين أو إثباته مسلكا مطروقا في طبقة المؤلف وطبقة تلاميذه، وعنهم تلقفها من بعدهم، فتجدها عند الإمام أحمد (٥) وفيلسوف الصنعة ابن المديني (٦) واختصها هذا بتأليف مستقل في خمسة أجزاء لم يصلنا (٧) - ومحمد بن المثنى العنزي - وأظن
(١) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل: ١٨٠؛ ر: ٩٦. (٢) الخارفي الأعور. (٣) الضعفاء للعقيلي: ٥٥٣/ ١؛ ر: ١٠٢٠. (٤) سؤالات الآجري: ٤٤١/ ١ - ٤٤٢؛ ر: ٩٣٧. (٥) سؤالات أبي داود: ٣٣٨ - ٣٣٩؛ ر: ٥٠٣؛ ٣٤١؛ ر: ٥٠٩؛ ٣٦٩/ ١؛ ر: ٦٧٧؛ ٢٧٢؛ ر: ٣١٦؛ ٣٦٢؛ ر: ٥٦٧. العلل ومعرفة الرجال (رواية) عبد الله): ٤١٢/ ١؛ ر: ٤٨٧٤؛ ٥٢٥/ ١؛ ر: ١٢٣١؛ ٥٣١/ ١؛ ر: ١٢٤٩؛ ٥٢٤/ ٢؛ ر: ٣٤٦١؛ ٣/ ٨٠؛ ر: ٤٢٦٨؛ العلل (رواية المروذي): ٨٩؛ ر: ١٢٧. (٦) طرر ابن شاقلا على نسخة أيا صوفيا من مجروحي ابن حبان: ٨٣؛ ر: ٦٩؛ الضعفاء للبخاري: ٣٣؛ ر: ٤٠؛ التاريخ الكبير: ٣٠٨/ ٤؛ ر: ٢٩٣٥؛ ٣٥١/ ٥؛ ر: ١١١٣؛ ٣٣٩/ ٧؛ ر: ١٤٥٨. (٧) الجامع لأخلاق الراوي: ٣٠١/ ٢؛ ر: ١٩١٥.