ويَلْتَبِسُ على مَنْ لم يُحصّل بعبد الله بن شداد بن الهاد الثقة المأمون (١)، ولا آمَنُ أن يكون أبو محمد قد ظنَّه إياه، فلذلك ما عَدَل (٢) عن تبيين علة الحديث إلى مُجمل كلام الترمذي.
وأما أبو عُذرة راويه عن عائشة، فإنه صحابي، قاله مسلم وغيره (٣). ووقع لأبي محمد في كتابه الكبير (٤) تخليط أكد ما ظننته به من اختلاط أمْرِ عبد الله بن شداد عليه، وذلك أنه قال إثر هذا الحديث - ومن خطه نقلتُ ـ: أبو عُذرة، ذكره الحاكم في «الكنى»(٥)، قال: أدرك النبي ﷺ، روى عن عائشة، قال: ويقال: إنه كان شيخا من تجار واسط.
هذا نص ما ذَكَر، وهو تخليط لا خَفاءَ به، فإنّ الذي قالوا فيه: إنه أدرك
= رقم: (٤٤٢)، فمثل هذا كيف يكون مجهول الحال، ثم إن قول ابن معين الذي اتكأ عليه الحافظ ابن القطان الفاسي في كونه من تجار واسط، وأنه لم يرو عنه غير حماد بن سلمة، فإنه قد فاته قول ابن معين فيه أنه: «ليس به بأس»، ففي سؤالات ابن الجنيد (ص ٣٦٩) ترجمة رقم: (٣٩٧) وبعد أن سأله عن حديثه هذا، قال ابن الجنيد: «قلت ليحيى: مَنْ عبد الله بن شداد هذا؟ قال: شيخ واسطي، قلت: ثقة؟ قال: ليس به بأس»، فكان الأولى منه رحمه الله تعالى أن يُعِلَّ الحديث بأبي عُذرة وليس به، كما تقدم قريبًا في تخريج الحديث. (١) عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي، أبو الوليد المدني، من كبار التابعين، وثقه أبو زرعة والنسائي والعجلي والخطيب البغدادي، وغيرهم. ينظر: تهذيب الكمال (١٥/ ٨٤) ترجمة رقم: (٣٣٣٠). (٢) كذا في النسخة الخطية: «ما عدل»؛ يعني: ما جادَ، وفي مطبوع بيان الوهم والإيهام (٣/ ٣٣٧): «عدل» دون «ما» النافية قبله، وهذا خطأ صريح في هذا السياق، ومما يُستغرب من محققه قوله في الهامش: «في (ت): ما عدل، وهو تحريف»! (٣) بل هو علة الحديث كما تقدم في تخريجه قريبًا، وذكرت هناك أن قول الإمام مسلم وغيره لا يدل على أنه صحابي. (٤) الأحكام الكبرى لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي (١/ ٤٠٦)، ولم أقف في المطبوع منه على ما نقله عنه. (٥) كتاب الأسامي والكنى، لأبي أحمد الحاكم (٥/ ٣٩٨)، ونص عبارته فيه: «أبو عُذرة: أدرك النبي ﷺ، وروى عن عائشة زوج المصطفى ﷺ، روى عنه عبد الله بن شداد الأعرج المديني، ويقال: إنه كان شيخًا من تجار واسط»، فقول أبي أحمد الحاكم: (كان شيئًا من تجار واسط) يعود على عبد الله بن شداد، فظن الحافظ عبد الحق الإشبيلي أنه يعود على أبي عُذرة، فذكره في ترجمته.