وحكمة الجواز؛ إذا كان الذي طَوَى ذِكرَه ثقة عنده، كالإرسال سواء (١).
أما إذا كان الذي طوى ذكره ضعيفًا عنده؛ فهذا حرام، وجرحة في فاعله، ولا فرق بينه وبين إبدال ضعيف بثقة في رواية حديث (٢).
فإن كان ثقةً عنده، وضعيف عند الناس، فموضع نظر؛ فإنه باعتبار كونه ثقة عنده، يقوم عذره في طيّه ذكره في الإرسال وترك الإسناد، وباعتبار أنه ضعيف عند غيره، يجب عليه ذكره، ولا يرمي بالحديث إلى من يُحدثه به مُتَحملًا عهدته (٣).
أما هل يُحْتَج بما يرويه المُدلِّس، أم لا يُحتج به؟ فمبني على هذا، وذلك أنا إذا علمنا من حاله أنه يُدلّس عن الضعفاء عنده، فهذا مخرج، فلا يُحتج بما يرويه (٤).
وإن علم من حاله أنه لا يُدلّس إلا عن ثقة عنده، فمن الناس من يَرُدُّ مُعنعَنَه لاحتمال انقطاعه، وأن يكون قد دلس به حتى يُعلَم سَماعُه منه لشيء؛ فيُحتج به (٥).
ومن الناس من يقبله حتى يثبت الانقطاع فيه، وأنه دلسه (٦).
ولسنا الآن لبيان هذا الاختلاف الذي في قبول المرسل المحقق الإرسال، ذاك إنما سببه الجهل بحال المطويّ ذِكرُه، وهذا سببه احتمال الاتصال والانقطاع.
وقد اعتبر أبو محمد التدليس في مواضع؛ منها:
حديث أبي الزبير؛ صرح في مواضع بأنَّه لا يُقبل فيه إلا ما ذكر فيه السماع، أو كان من رواية الليث عنه، وقد استوعبنا ذكره فيما تقدم (٧).
(١) ينظر: المنهل الروي (ص ٧٣)، وطبقات المدلسين (ص ١٣)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح، للزركشي (٢/ ٧١ - ٧٢)، والنكت على كتاب ابن الصلاح، لابن حجر (٢/ ٦٢٤)، وفتح المغيث شرح ألفية الحديث، للسخاوي (١/ ٢٣٤). (٢) ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص ٧٤)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح، للزركشي (٢/ ٨١)، وطبقات المدلسين (ص ١٧)، والباعث الحثيث (ص ٥٥). (٣) ينظر: تدريب الراوي (١/ ٢٥٩). (٤) ينظر: معرفة علوم الحديث (ص ١٠٥)، والمنهل الروي (ص ٧٢)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح، للزركشي (٢/ ٨٦)، وطبقات المدلسين (ص ١٤). (٥) ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص ٧٥). (٦) ينظر: معرفة علوم الحديث، للحاكم (ص ١٠٣)، والنكت على مقدمة ابن الصلاح، للزركشي (٢/ ٨٧)، والتبيين لأسماء المدلسين لسبط ابن العجمي (ص ١٢)، وطبقات المدلسين (ص ١٣). (٧) سلف بيان حال روايات أبي الزبير محمد بن مسلم في الأحاديث رقم: (١٣٩٢ - ١٣٩٩، ١٤٤٤ - ١٤٩٧)