وقد بلغ عدد ما سرده ابن القطان من هذه المصادر خمسة وخمسين مصدرًا، ذاكرًا أسماء أصحابها، دون أن يصرح باسم كتابه الذي نقل عنه، إلا في القليل منهم.
وقد ذكر محقق بيان الوهم والإيهام، هذه المصادر، وزاد عليها أشياء أخرى من المصادر التي نَقَل عنه الحافظ ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام، وقد قسم المحقق هذه المصادر إلى أربعة أقسام، فأفرد قسمًا خاصًا بالمتون الحديثية، وقسما خاصًا بمصادر التراجم، وقسمًا خاصًا بالمصادر اللغوية، وقسما رابعًا بالمصادر المتنوعة (١).
وهذا كما هو ظاهر من طبيعة التقسيم تنوع هذه المصادر ووفرتها، والناظر فيها يلحظ أنها في غالبها مصادر أصيلة لِقِدَمها وأصالتها، وهذا بدوره قد انعكس على قيمة هذا الكتاب، وأكْسَبَه أهميّةً كبيرةً سيما وأنه اشتمل على أقوال نُخبة من الأئمة والعلماء في مجال التعديل والتجريح والأحكام خاصةً، وإن توفر هذه المصادر التي استقى منها الحافظ ابن القطان الفاسي أقوالهم وآراءهم ووظفها في خدمة ما كان ينتقد فيه عبد الحق الإشبيلي في أحكامه على بعض الأحاديث والروايات، قد أتاح له التوسع في استدراكاته عليه في كثير من المواضع التي كان يرى أنها تُوجب ذلك، وهذا بدوره قد جعل هذا الكتاب يبدو وكأنه كتاب عِلل نثر فيها قواعده ومنهاجه في التصحيح والتضعيف، ولا يخفى ما في هذا من فوائد جمَّةٍ لا يَعْدَمُها كلُّ مَنْ طَالَعَ هذا الكتاب، وخاصّةً بعدما أعاد الحافظ مغلطاي ترتيبه على النحو الذي سهل على مطالعيه قَطْفَ فوائده، وهي جَمَّةٌ، يستفيد منها المحدِّثُ والفقيه، وطلبة العلم عامَّةً.
وإن ما يُميز أيضًا مصادر هذا الكتاب أنها اشتملت على العديد من المصنفات والمؤلفات التي يمكن وَصْفُها بالأصيلة، لم يتسن لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي الوقوف عليها والأخْذِ منها إلا بواسطة مَنْ أخذ عنهم، وقد سَرَد الحافظ ابن القطان الفاسي أسماء أصحاب هذه المصنفات والمسانيد، التي لم ير الإشبيلي كتبهم موضحًا ذلك بقوله:«وهؤلاء الذين لم يَرَ كُتبهم: هم حماد بن سلمة، ووكيع، وأبو سعيد ابن الأعرابي … »(٢).
(١) بيان الوهم والإيهام (٣٢١ - ١/ ٣١٢). (٢) المصدر السابق (٥/ ٦٤٥).