عن أن يُؤْتُوهم ذلك، وأموالُ السفهاءِ؛ لأن قولَه: ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾ غيرُ مَخْصوصٍ منها بعضُ الأموال دونَ بعضٍ، ولا تمتنعُ العربُ أن تُخاطِبَ قومًا خِطابًا، فيَخْرُجَ الكلامُ بعضُه خبرٌ عنهم، وبعضُه عن غَيَبٍ، وذلك نَحْوُ أن يقولوا:"أكَلْتم يا فلانُ أموالَكم بالباطلِ. فخاطب الواحدَ خِطابَ الجميعِ، بمعنى إنك وأصحابَك وقومك أكَلْتم أموالَكم. فكذلك قولُه: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ﴾. معناه: ولا تُؤْتُوا أيُّها الناسُ سُفهاءَكم أموالَكم التي بعضُها لكم وبعضُها لهم، فتُضَيِّعوها (٣).
وإذا كان ذلك كذلك، وكان اللهُ ﷿ قد عمَّ بالنهيِ عن إيتاءِ السفهاءِ الأموال كلَّها، ولم يَخْصُصُ منها شيئًا دونَ شيءٍ، كان بيِّنا بذلك أنّ معنى قولِه: ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾. إنما هو التي جعَل اللهُ لكم ولهم قِيامًا، ولكن السُّفهاءَ دخَل ذِكْرُهم في ذكرِ المُخاطَبين بقولِه: ﴿لَكُمْ﴾.
وأما قولُه: ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾. [فإنه يعنى: التي جعَلها اللهُ قوامَ معايشِكم ومعايشِ سُفهائِكم التي بها تقومون](١). "قيامًا" و "قِيَمًا" و "قِوَامًا" في معنًى واحدٍ. وإنما "القيامُ" أصلُه "القِوَامُ"، غيرَ أن القافَ التي قبلَ الواوِ لمّا كانت مكسورةً، جُعِلَت الواوُ ياءً لكسرةِ ما قبلَها، كما يُقالُ: صُمْتُ صيامًا، وحُلتُ حِيالًا، ويقالُ منه: فلانٌ قِوَامُ أهلِ بيتِه، وقيامُ أهلِ بيتِه.