مغلطاي أنه قام بعملية جَمْع أحاديث ذلك الراوي والكلام الوارد فيه عند ذكره إياه مجملا، ولم يُعِد ذكره مفصلًا إلا إذا زاد الحافظ ابن القطان الفاسي في بيان ذلك، فيعيد الحافظ مُغلطاي ذكره في بابه مفصلا، لتكتمل الفائدة به، وإن كان قد ذكره مجملاً مختصرًا.
٤ - من الأمور التي تبرز براعة الحافظ مغلطاي ودقته في ترتيبه لهذا الكتاب، هو تعامله مع تلك المقدمات التي كان يُمَهّد فيها الحافظ ابن القطان الفاسي للعديد من الأبواب التي قسمها على مقتضى العلة التي يستدرك فيها على الحافظ عبد الحق الإشبيلي، والتي اشتملت على بعض الفوائد ذات الصلة باسم الباب المندرجة تحته، وإن عملية إيراد هذه المقدّمات قد تُسبّب إشكالًا لمن يتصدَّى لإعادة ترتيب مثل هذه الكتب التي قد اختلف ترتيبها عما أراده صاحب الترتيب الجديد الذي يقوم على وفق الأبواب الفقهية، غير أنّ الحافظ مغلطاي قد أبدى قدرة فائقة في تعامله مع هذه المقدمات، وَوَضْعِه إياها في الموضع الذي يتناسب مع ترتيبه الجديد القائم على الأبواب الفقهية، وهذا قد استلزم منه جهدًا زائدا فوق الجهد الذي اقتضاه إعادة تسمية الأبواب، والمدقق في صنيعه إزاء هذا الأمر يتبين له ما كان يتمتع به الحافظ مغلطاي من بُعدِ نَظرٍ، وتوفيق فوق العادة في حسن اختياره في عملية وضع هذه المقدمات، ولعل إيراد هذا المثال يكشف عن هذا الأمر.
فقد بوّب الحافظ ابن القطان من جملة ما بوب به:(باب ذكر أحاديث أعلها برجال وفيها مَنْ هو مثلهم، أو أضعف أو مجهول لا يُعرف)(١)، ثم مهد الحافظ ابن القطان لهذا الباب بمقدّمة اشتملت على بعض الفوائد المتعلقة به وبأحاديثه التي سيوردها فيه، وبما سيذكره من نقد أو استدراك على الحافظ عبد الحق الإشبيلي، فقال في هذه المقدمة:«اعْلَم أنه يجب النظر فِي هَذَا الْبَابِ، خوفًا مِمَّا يُوهِمهُ إعراضه عَمَّا يجب إعلال الحَدِيث بِهِ: من كونه ثِقَة عِنْدَه، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ من يرى ذلك من لا علم عِنْدَه بِهَذَا الشَّأْن، فَهَذَا يسرع إِلَى اعْتِقَاد انحصار عِلَّة الْخَبَر فِيمَن نبه عَلَيْهِ من رواته دون من سواه، … » إلى آخر ما قاله (٢).
ثم شَرَع بذكر الأحاديث التي سيتعقب بها الحافظ عبد الحق في هذا الباب،
(١) بيان الوهم والإيهام (٣/ ٨٧). (٢) المصدر السابق (٣/ ٨٧ - ٩١).