فإن كان أبو محمد اعتمد في تضعيف هذا الحديث تضعيف مَنْ ضَعَّف يونس، ممن لم يأتِ بحجة في تضعيفه إِيَّاه مع ما وصف به من الصدق وثنائهم عليه، فقد كان يجب أن يبين ذلك، وإن كان لم يضعف عنده إِلَّا مِنْ أَمرٍ آخر، فقد كان قد أوجَبَ داركه أيضًا (١) أَنْ يُعرِّف بهِ. والحديث المذكور أورده البزار هكذا: حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا يونس بن بكير؛ فذكره بالإسناد المتقدم، ثم قال: وقد رواه غير يونس، عن الأعمش مرسلًا (٢).
فاعتمده في تعليله، وهو قد يُعلّل الأحاديث بأن تُروى تارةً متصلةً، وتارة مرسلةً على ما قد تقدَّم بعضُ ذلك عنه، وسيأتي ما له منه بعد إن شاء الله تعالى.
فإن كان هذا هو الذي رأى والذي من أجله ضعفه، فقد أخطأ؛ فَإِنَّ كلام البزار ليس فيه ترجيح لرواية مَنْ أرسله على رواية مَنْ أسنده، وإِنَّما أخبر أنه قد أُرسِلَ، وليسَ يَضُرُّ الحديث [تفنن](٣) رواته في روايته بالوصل والإرسال، والرفع والوقف.
ولما ذكر ابن عدي هذا الحديث قال: اختلفوا فيه على طلحة، فمنهم من أرسله، ومنهم من قال: عن عليّ بدل ابن مسعود، ويونس جود إسناده (٤).
فهذا غاية ما يُمَسُّ به هذا الحديث: أنه اختلف فيه، وهو لا يضره.
ولعلك ترى ما ذكر الدارقطني في «علله» من تعليل رواية عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله لهذا الحديث، فتظنه في حديثنا هذا، وليس كذلك.
وإِنَّما هو في قوله:«من كذب عَليّ مُتَعَمدًا فَلْيَتَبَوَّا مَقْعَده من النار» دون الزيادة المذكورة، ولم يعرض لهذه الزيادة بوجه (٥)، والحديث دونها من غير ذلك الطريق،
(١) كذا في النسخة الخطية: (كان) قد أوجب داركه أيضًا، وفي بيان الوهم (٥/ ٣١٤): (كان أوجب وأكد أيضًا). (٢) مسند البزار (٥/ ٢٦٢ - ٢٦٣) الحديث رقم: (١٨٧٦). (٣) سقط من النسخة الخطية، واستدركته من بيان الوهم والإيهام (٥/ ٣١٥) ليستقيم به السياق. (٤) قد أخرج ابن عدي هذا الحديث في مقدّمة الكامل في ضعفاء الرجال (١/ ٧)، في الباب الثاني: وزر الكذب على رسول الله ﷺ إذا أضل به الناس. ولم يُخرجه في ترجمة يونس بن بكير، وذكر فيه ما حكاه عنه ابن القطان هنا. (٥) كذا قال جازمًا بذلك، وهذا وهم منه ﵀، فإنَّ الدارقطني قد أورد هذا الحديث في علله (٤/ ٨٨) الحديث رقم: (٤٤٣) من رواية أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل بالزيادة المذكورة.