وُلِد أبو الحسن فجر يوم عيد الأضحى، سنة اثنتين وستين وخمسمائة من الهجرة، بفاس، ونشأ فيها، وبها تلقى علومه الأولى، ثم انتقل إلى مراكش، عاصمة الدولة الموحدية في أزهى وأقوى فتراتها، وهذا جعلها إحدى العواصم العلمية آنذاك، حافلة بالعلماء والمدرّسين في مختلف الميادين، الذين شغلوا مناصب رفيعة في الدولة، ودرسوا فيها العلوم المختلفة، لا سيما علم الحديث، الذي كان له الحظ الأوفر من بين العلوم، كما أنها حوت عددًا من المدارس والمكتبات العامرة، تجلب لها الكتب من شتى الأقطار (١).
وفي مراكش نبغ ابن القطان في طلب العلم وبرز، فقد أخذ علومه لا سيما الحديث عن كبار المشايخ والعلماء الذين كانوا يقيمون فيها، أو الوافدين إليها من الأندلس والمشرق وغيرهما من البلدان، ومن شيوخه الذين سمع منهم، ولازم بعضهم فترة طويلة خاصة في علم الحديث: أبا عبد الله بن زرقون، وأبا بكر بن الجد، وأبا عمر بن عات النفزي الشاطبي، وأبا عبد الله ابن الفخار المالقي، لازمه وأكثر الأخذ عنه، وأبا الحسن بن النقرات، وقد لازمه أيضًا، والخطيب أبا جعفر بن يحيى، وأبا ذر الخشني، وأبا القاسم بن بقي من ذرية بقي بن مخلد، جالسه طويلا وذاكره كثيرًا، وسمع منه مسند جده بقي بن مخلد وتفسيره، وأبا عبد الله بن البقّار؛ محمد بن إبراهيم بن حزب الله الفاسي؛ أجاز لابن القطان جميع روايته، وأبا بكر بن خلف الأنصاري، المعروف بالمواق، والد الحافظ أبي عبد الله ابن المواق تلميذ ابن القطان، ومن أجل شيوخه الحافظ المغربي الكبير أبو عبد الله محمد بن طاهر الحسيني، الشريف الصقلي، والي قضاء الجماعة بمراكش، وغيرهم من الأئمة والحفاظ والأعلام الكبار، الذين أخذ عنهم.
وقد تتلمذ له أيضًا جمع من الأئمة والحفاظ الذين أخذوا عنه، منهم: ابناه أبو محمد الحسن، وأبو عبد الله الحسين، والحافظ أبو عبد الله ابن المواق، وأبو الحسن الكفيف، وأبو زيد بن القاسم الطراز، وأبو عبد الله بن الطراوة، وأبو عبد الله المدعو بالشريف، وأبو علي المقري، وأبو عبد الله بن عياض حفيد القاضي عياض، وابن الأبار أبو عبد الله، المحدّث البارعُ، صاحب التصانيف، وغيرهم كثير (٢).