الناظر أولا أن يعرف تلك العلة ليكشف الحديث المطلوب من بابها، ومن عرف عِلَّةَ حديث فلا حاجة به إلى كشفه ثُمَّ.
فاستخرت الله جلَّ وعزَّ ورتبته على رتبة كتب الأحكام، ولم أُدخل فيه ما ليس منه، ولم أخرج منه إلا ما دعت الضرورة إلى إخراجه لتكرره، كذكره حديثًا في مواضع عديدة لأمر أدّى إلى ذلك، كحديث أنس من عند الترمذي (١)، قال رسول الله ﷺ:«الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُردّ»، ذكره في باب أحاديث حسنها الإمام أبو محمد عبد الحق وهي ضعيفة (٢)، لأنه من رواية العَمِّي (٣)، ثم أعاد ذكره في باب أحاديث أسانيدها جيدة، من غير طريق العَمِّي (٤)، ثم أعاد ذكره في باب الزيادات في الأحاديث (٥)، وذلك أنهم قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال:«سَلُوا الله العافية»(٦)، إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، فإني أذكره في موضع واحد، لم أحذف منه إلا تعريفه به في كل باب، وتنبيهه على ذكره حديثًا إن كان تقدم أو سيأتي، كقوله:«وقد نبهنا على هذا الحديث في الباب الفلاني»(٧).
وإذا ذكر أبو الحسن رجلًا تناقض نَظَرُ أبي محمد فيه، كابن إسحاق (٨) مثلا،
(١) سنن الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في أنَّ الدُّعاء لا يُردّ بين الأذان والإقامة (١/ ٤١٥)، حديث رقم: (٢١٢)، وقال: «حديث أنس حديثٌ حسنٌ»، وهو الحديث الآتي في هذا الكتاب برقم: (٥٤٥). ينظر تمام تخريجه هناك. (٢) بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام (٣/ ٣٤٩) الحديث رقم: (١٠٩٥). (٣) هو: زيد بن الحواري، أبو الحواريّ العَمِّيُّ البصري، قال عنه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب (ص ٢٢٣) ترجمة رقم: (٢١٣١): «ضعيف»، وسيأتي كلام ابن القطان فيه أثناء تعليقه على هذا الحديث، وهو الآتي برقم: (٥٤٥). (٤) بيان الوهم والإيهام (٥/ ٢٢٧) الحديث رقم: (٢٤٣٧)، وهو الحديث الآتي برقم: (٥٤٦). ينظر تمام تخريجه هناك. (٥) بيان الوهم والإيهام (٥/ ٤٠٦) الحديث رقم: (٢٨٢٢). (٦) هذه الزيادة المذكورة وقعت في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب في العفو والعافية (٥/ ٥٧٦) الحديث رقم: (٣٥٩٤)، وسيأتي هذا الحديث بتمامه مع الكلام عليه في هذا الكتاب برقم: (٥٤٧). ينظر تمام تخريجه هناك. (٧) وقد تنوعت هذه العبارة عند الحافظ ابن القطان، فمثلا حديث أنس في الدعاء بين الأذان والإقامة، كرره في بيان الوهم والإيهام (٥/ ٦٠٤) الحديث رقم: (٢٨٢٢)، ثم أراد أن يشير إلى تقدمه، فقال: «وقد تقدم ذكرنا له بإسناد جيد، بزيادةٍ أخرى، فاعلمه». (٨) هو: محمد بن إسحاق بن يسار، أبو بكر المطلبي، مولاهم المدني، قال عنه الحافظ