فأما الأول: فيقصد في الجملة إلى النظر، بذكر قواعد وضوابط الفن، وما أصله النقاد، دون أن ينفك عن التاريخ والطبقات، وتتناثر في مطاويه مثل الأحاديث المعللة.
وأما الثاني: فيطوي جميع ما ذكر، ويهجم على الأحاديث المعللة بجمع طرقها لتبيان وجه العلة فيها دون تسميته أو الاكتفاء بالإشارة المختلسة إليه؛ لتعويل مؤلفي هذا الضرب على النوعية المختارة للمتلقي الافتراضي الذي لا ييمم وجهه تلقاء العلل إلا وقد استوفى من المعرفة بأفانين الحديث شطرا يمكنه من الفهم والمشاركة، ولذلك تفصى أولئك من وزر التيسير التعليمي؛ لأن صغار الطلبة بأمنة من أن يردوا هذا الحوض بكثرة الصوارف.
وقد ألف شيخ الصنعة وإمامها العبقري علي ابن المديني في الضربين معا، له في الأول كتاب العلل (١)، وهو جزء بينه وبين كتابنا هذا أواصر لا تخفى، وله في الثاني كتاب الأحاديث المعللات، لم يكن معلوما منه غير ورقة واحدة من الجزء الأول بظاهرية دمشق (٢)، ثم ظهر منه بأخرة الجزء الخامس بتجزئة أبي الحسين بن المظفر في ١٤ ورقة، وسنسوق أول حديث منه وآخر حديث لندلل على أن هذه الطريقة الثانية هي التي انتهجها من بعده كبار صيارفة العلل كالدار قطني، وأن كتابنا ليس من نحوها.
فأما أول حديث - وقد ذهب من أوله شيء -: «… بني العباس، فكنا معه ثلاثة على الدابة. وربما قال سفيان: حملنا وغلاما من بني عبد المطلب، وكنا معه ثلاثة على دابة».
حدثنا علي، ثنا الضحاك بن مخلد؛ قال: أخبرني ابن جريج؛ قال: أخبرني جعفر بن صالح بن سارة، أن أباه أخبره أن عبد الله بن جعفر أخبره؛ قال: «لو رأيتني وقثم وعبد الله بن عباس، ونحن صبيان نلعب، فمر
(١) معروف مشتهر. (٢) المنتخب من مخطوطات الحديث: ص ٤٩٠؛ ر: ١٣٨٤. ضمن مجموع رقم ٦٢.