فَجَلَسَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له:"إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ" قال: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ المقَاتِلَةُ، وَأَنْ تسبي الذُّرِّيَّةُ، قال:"لقد حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الملِكِ"(١). وفي لفظ لمسلم:"قضيت بحكم الله".
وما رواه أبو داود بسنده عن شُرَيْحٍ عن أبيه هَانِيءٍ أنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بأَبِي الحكَمِ، فَدَعَاهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"إِنَّ الله هو الحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الحُكْمُ؛ فَلِمَ تُكْنَّى أَبَا الحكَمِ؟ " فقال: إِنَّ قَوْمِي إذا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ أَتوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أَحْسَنَ هذا"(٢). ووجه ذلك تحسينه - صلى الله عليه وسلم - تحكيم قوم شريح وإقراره ذلك.
وقد ثبت التحكيم من أفعال الصحابة -رضي الله عنهم - وأقوالهم ومن ذلك ما رواه الشعبي قال:"كان بين عمر وأُبي بن كعب -رضي الله عنهما- خصومة فجعلا بينهما زيد بن ثابت فأتياه فضربا الباب فخرج إليهما فقال: ألا أرسلت إلي يا أمير المؤمنين؟ فقال: في بيته يؤتى الحكم، فدخلا فقال: في الرحب والسعة وألقى له وسادة، فقال: هذا أول جورك، فتكلما فقال لأُبي: بينتك وإن رأيت أن تعفي أمير المؤمنين من اليمين فافعل، فقال أُبي: نعفيه ونصدقه، فقال عمر -رضي الله عنه-: أيقضى علي باليمين ثم لا أحلف فحلف فلما وجبت له الأرض وهبها لأُبي" وفي لفظ: "فحلف عمر -رضي الله عنه- ثم أقسم: لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء"(٣).
(١) تقدم تخريجه في أقسام القضاء. (٢) تقدم تخريجه. (٣) أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة [١/ ٤٠٠ (١٢٦٨)]، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (١٠/ ١٣٦، ١٤٥، ١٤٤)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (١٩/ ٣١٨). وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (٤/ ١٨): رواه الْبَيْهَقِيُّ من حديث عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وسكت عليه.