وقد ذُكِر أن في قراءةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (١): (وَإِذْ عَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ للْمُؤْمِنينَ مَقاعِدَ للْقِتالِ). وذلك جائزٌ، كما يقالُ: رَدِفَكَ ورَدِفَ لك، ونَقَدتُ لها صداقَها ونَقَدْتُها، كما قال الشاعرُ (٢):
وقد حُكِى عن العربِ سَماعًا: أبَأْتُ القومَ مَنْزِلًا، فأنا أُبِيئُهم إباءةً. ويقالُ منه: أبأْتُ الإبلَ. إذا رَددتَها إلى المبَاءةِ. والمبَاءةُ المُرَاحُ الذي تَبيتُ فيه. والمقاعدُ، جمعُ مَقْعَدٍ، وهو المجلِسُ.
فتأويلُ الكلامِ: واذْكُرْ إذ غَدوتَ يا محمدُ من أهْلِك، تَتَّخِذُ للمؤمنين مُعَسْكرًا ومَوْضِعًا لقتالِ عدوِّهم.
وقولُه: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. يعنى بذلك تعالى ذكرُه: واللهُ سميعٌ لِما يقولُ المؤمنون لك فيما شاوَرْتَهم فيه، من موضعِ لقائِك ولقائِهم عدوَّك وعدوَّهم، من قولٍ مَن قال: اخرُجْ بِنا إليهم حتى نَلْقاهم خارجَ المدينةِ. وقولِ من قال لك: لا تَخْرُجُ إليهم، وأقِمْ بالمدينةِ حتى يدْخلوها علينا -على ما قد يَيَّنا قبلُ- وبما (٣) تُشِيرُ به عليهم أنت يا محمدُ، عليمٌ بأصلحِ تلك الآراءِ لك ولهم، وبما تُخْفيه صدورُ
(١) ينظر البحر المحيط ٣/ ٤٦. (٢) تقدم في ١/ ١٧٠. (٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "مما".