وذلك أن النار إذا ألقي عليها اللحم فصار لها دخان، اصهابّت [١] بدخان ماء اللحم وسواد القتار [٢] . وهذا يدل أيضا على ما قلنا.
وفي ذلك يقول الهيّبان الفهميّ:[من الوافر]
له فوق النّجاد جفان شيزى ... ونار لا تضرّم للصّلاء [٣]
ولكن للطّبيخ، وقد عراها ... طليح الهمّ مستلب الفراء [٤]
وما غذيت بغير لظى، فناري ... كمرتكم الغمامة ذي العفاء [٥]
وقال سحر العود:[من الوافر]
له نار تشبّ على يفاع ... لكلّ مرعبل الأهدام بالي [٦]
ونار فوقها بجر رحاب ... مبجّلة تقاذف بالمحال [٧]
١٢٩٠-[اختلاف ألوان النار]
ويدلّ أيضا على ما قلنا: أن النار يختلف لونها على قدر اختلاف جنس الدّهن والحطب والدخان، وعلى قدر كثرة ذلك وقلّته، وعلى قدر يبسه ورطوبته- قول الراعي حين أراد أن يصف لون ذئب فقال [٨] : [من الكامل]
وقع الربيع وقد تقارب خطوه ... ورأى بعقوته أزلّ نسولا [٩]
[١] اصهابت، صارت صهباء، وهي الحمرة يعلوها سواد. [٢] القتار: ما يتصاعد من الشواء. [٣] النجاد: جمع نجد، وهو ما غلظ من الأرض وارتفع. الشيزى: شجر تعمل منه القصاع والجفان. الصلاء: مقاساة حر النار، أو التمتع بها في الشتاء. [٤] عراها: غشيها وقصدها. الطليح: المتعب المعيى. [٥] المرتكم: المتراكم، أي المجتمع. عفاء السحاب: كالخمل في وجهه لا يكاد يخلف. [٦] اليفاع: التل. المرعبل: الممزق. الأهدام: جمع هدم، وهو الثوب الخلق البالي. [٧] البجر: جمع بجراء، وهي العظيمة البطن، وأراد بها هنا القدور. الرحاب: الواسعات. المبجلة المعظمة. المحال: جمع محالة، وهي الفقرة من فقار البعير. [٨] ديوان الراعي ٢٣٩- ٢٤٠، والأول في اللسان (نهش) ، والتاج (نسل) ، وبلا نسبة في الازمنة والأمكنة ٢/١١٣، والبيت الثاني في اللسان (نهش) ، والتاج (نهش، شكل) ، والتهذيب ٥/١٥٨، ٦/٨٣، ٨٥، والتنبيه والإيضاح ١١/٣٢٧، وبلا نسبة في اللسان والتاج (وضح، شهل) ، والثالث في الجمهرة ٤٦٤ والتهذيب ١١/٣٣، واللسان والتاج (تلع، رجل) ، وبلا نسبة في الجمهرة ١٣٠٠، والمجمل ٢/٤٦٨ وتقدم البيت في ٢/٤٣١. [٩] وقع الربيع: أي مثل شدة ضرب المطر للأرض. العقوة: الساحة، وما حول الدار، الأزلّ: السريع وعنى به الذئب. النسول: مشية الذئب إذا أسرع.