ما زلت أطوي الجنّ أسمع حسّهم ... حتّى دفعت إلى ربيبة هودج
فوضعت كفّي عند مقطع خصرها ... فتنفّست بهرا ولمّا تنهج [١]
فتناولت رأسي لتعرف مسّه ... بمخضّب الأطراف غير مشنّج [٢]
قالت بعيش أخي وحرمة والدي ... لأنبّهنّ الحيّ إن لم تخرج
فخرجت خيفة قومها فتبسّمت ... فعلمت أنّ يمينها لم تلجج [٣]
فلثمت فاها قابضا بقرونها ... شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج [٤]
وأنشدني آخر [٥] : [من الطويل]
ذهبتم فعذتم بالأمير وقلتم ... تركنا أحاديثا ولحما موضّعا [٦]
فما زادني إلّا سناء ورفعة ... ولا زادكم في القوم إلّا تخشّعا
فما نفرت جنّي ولا فلّ مبردي ... وما أصبحت طيري من الخوف وقّعا [٧]
وقال حسّان بن ثابت، في معنى قوله [٨] : «ولله لأضربنّه حتّى أنزع من رأسه شيطانه» ، فقال [٩] : [من المتقارب]
وداوية سبسب سملق ... من البيد تعزف جنّانها [١٠]
قطعت بعيرانة كالفني ... ق يمرح في الآل شيطانها [١١]
فجمع في هذا البيت تثبيت عزيف الجن، وأنّ المراح والنشاط والخيلاء والغرب [١٢] هو شيطانها.
[١] البهر: انقطاع النفس من الإعياء، تنهج: تواتر نفسها من شدة الحركة.
[٢] المشنج: المتقبض.
[٣] اللجج: التمادي والإصرار.
[٤] القرون: الضفائر من الشعر. النزيف: الذي عطش حتى جف لسانه ويبست عروقه. الحشرج: الماء الجاري على الحجارة.
[٥] الأبيات لموسى بن جابر الحنفي في شرح ديوان الحماسة للتبريزي ١/١٤٠، والثالث في اللسان (جنن) ، والتاج (وقع) .
[٦] الموضّع: المنضد بعضه على بعض، أي هم كاللحم المنضد يطمع فيه الناس.
[٧] أراد بالجن: القلب، وبالمبرد: اللسان.
[٨] هذا القول لعمر بن خطاب كما سيأتي ص ٤١٦.
[٩] ديوان حسان بن ثابت ١/٢٣٩ (دار صادر) ، ولم يرد البيتان في ديوان حسان (طبعة الصاوي) .
[١٠] الداوية: الفلاة الواسعة. السبسب: القفر البعيدة. السملق: المستوية الجرداء. عزيف الجن:
أصواتها.
[١١] العيرانة: النشيطة من الإبل. الفنيق: الفحل المكرم من الإبل. الآل: السراب.
[١٢] الغرب: الحدة والنشاط.