وقال يونس، عن ابن إسحاق (١): كان على ميمنة المسلمين قطبة بن قتادة العذري، وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاري. والتقى الناس. فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: حدثني أبي من الرضاعة، وكان أحد بني مرة بن عوف، قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم تقدم فقاتل حتى قتل.
قال ابن إسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام، وقال جعفر:
يا حبذا الجنة واقترابها … طيبة باردة شرابها
والروم روم قد دنا عذابها … علي إن لاقيتها ضرابها
فلما قتل أخذ الراية عبد الله بن رواحة.
حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة قال: أخذها عبد الله بن رواحة فالتوى بها بعض الالتواء، ثم تقدم بها على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد.
حدثني عبد الله بن أبي بكر، أن ابن رواحة قال عند ذلك:
أقسمت يا نفس لتنزلنه … طائعة أو سوف تكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه (٢) … ما لي أراك تكرهين الجنة
يا طالما قد كنت مطمئنه … هل أنت إلا نطفة في شنه (٣)
ثم نزل فقاتل حتى قتل.
قال ابن إسحاق (٤): وقال أيضا:
يا نفس إن لا تقتلي تموتي … هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت … إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيت
فلما نزل أتى ابن عم له بعرق لحم فقال: شد بها صلبك، فنهس منه
(١) ابن هشام ٢/ ٣٧٨، ودلائل النبوة ٤/ ٣٦٢ و ٣٦٣ - ٣٦٤.
(٢) صوتُ ترجيع شبه البكاء.
(٣) أي: السقاء البالي.
(٤) ابن هشام ٢/ ٣٧٩.