وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، أن ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف، وقال: يا معشر المسلمين، أعزل عن نسخ كتاب المصاحف ويتولاها رجل غيري، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب أبيه، يا أهل الكوفة، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها.
قلت: قال ذلك لما جعل عثمان زيد بن ثابت على كتابة المصاحف، وتطلب سائر مصاحف الصحابة ليغسلها أو يحرقها، فعل ذلك ليجمع الأمة على مصحف واحد.
قال أبو وائل: خطب ابن مسعود، وقال: غلوا مصاحفكم، كيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت، وقد قرأت من في رسول الله ﷺ بضعا وسبعين سورة، وإن زيدا ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان (١).
وقال أبو وائل: إني لجالس مع عمر، إذ جاء ابن مسعود، فكاد الجلوس يوارونه من قصره - يعني وهو قائم - فضحك عمر حين رآه، وجعل يكلم عمر ويضاحكه وهو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى، فقال: كنيف (٢) ملئ علما.
وقال الأعمش، عن أبي عمرو الشيباني، عن أبي موسى أنه قال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم، يعني ابن مسعود.
وقال أبو إسحاق، عن أبي عبيدة بن عبد الله: سمعت أبا موسى يقول: مجلس كنت أجالسه ابن مسعود أوثق في نفسي من عمل سنة.
وقال الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير قال: جاء نعي عبد الله إلى أبي الدرداء، فقال: ما ترك بعده مثله.
وقال مسروق: انتهى علم الصحابة إلى علي وابن مسعود.
وقال زيد بن وهب: رأيت بعيني عبد الله أثرين أسودين من البكاء.
(١) أخرجه أحمد ١/ ٤١١، والنسائي ٨/ ١٣٤. وقد عزاه محققو مسند أحمد إلى البخاري ومسلم فأخطؤوا، فإن ما عند الشيخين ليس فيه: "وإن زيدًا ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان". (٢) تصغير كنف، وهو الوعاء.