للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَحَديث عَبد الله بن عُكَيم مُطلَق، وأدلَّة الجمهور مقيَّدة؛ لأنَّ حديث ابن عكيم أطلق الجلد، لكن في الأدلة الأُخرى حَدَّدَتْ ذَلكَ بأنَّه لا ينتفع من الميتة بإهاب قبل الدَّبغ، أمَّا إذا دُبغَ الإهاب فقد طَهُرَ؛ وبذلك تلتقي الأدلة حول هذه المسألة، وَيزُول الخلَاف، ويكون القول الحقُّ في ذلك هو جوَاز الانتفاع بجلود الميتة إذا دُبِغَتْ.

ثمَّ يأتي بعد ذلك الخلاف، فنحن نرَى الَّذين يخرجون جلد الكلب والخنزير أن هذه نجسة، ثم يأتي بعدَ ذلكَ أيضًا جلود السِّباع (١)، وفيها كلامٌ معروفٌ للعلماء، والَّذين يمنعون ذلك يَقُولُون: إنَّ الرَّسولَ - صلى الله عليه وسلم - "نَهَى عن ركوب النُّمُور، وعن لبس جُلُود السِّباع، وعَن الجُلُوس عليها" (٢)، ولم يتعرَّض لها المؤلف، لكنِّي أَشَرتُ إليها.


(١) جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية) على جواز الانتفاع بجلود السباع بشرط الدباغ.
مذهب الحنفية، يُنظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٥/ ١٤٢) حيث قال: "وأما جلد السبع، والحمار، والبغل فإن كان مدبوغًا أو مذبوحًا يجوز بيعه؛ لأنه مباح الانتفاع به شرعًا فكان مالًا، وإن لم يكن مدبوغًا ولا مذبوحًا لا ينعقد بيعه؛ لأنه إذا لم يدفي ولم يذبح بقيت رطوبات الميتة فيه، فكان حكمه حكم الميتة".
مذهب المالكية، ينظر: "حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني" (٢/ ٤٢١) حيث قال: "ولا بأس بالصلاة على جلود السباع إذا ذكيت وبيعها".
مذهب الشافعية، يُنظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١/ ٥٧) حيث قال: "وأمَّا الحيوان الطاهر فضربان: [لأول]: مأكول. و [الثاني]: غير مأكول، فأما المأكول كالبغل، والحمار والسبع، والذئب فيطهر جلده بالدباغة، ولا يطهر بالذكاة".
مذهب الحنابلة، يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (١/ ٥٦)، حيث قال: " (ويحرم افتراش جلود السباع) من البهائم والطير إذا كانت أكبر من الهر خلقة (مع الحكم بنجاستها) قبل الدباغ وبعده ".
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١/ ٧٠) عن عاصم بن ضمرة قال: أُتِيَ عليٌّ بدابة، فإذا عليها سرج عليه خز، فقال: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخز، عن ركوب عليها، وعن جلوس عليها، وعن جلود النمور، عن ركوب عليها، وعن جلوس عليها … ". الحديث.
وأخرجه أبو داود (٤١٢٩) عن معاوية، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تركبوا الخز، ولا النمار"، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٧٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>