الثاني: جواز مس الجنب المصحف، وهذا الرأي قال به أهل الظاهر (٢).
ولكلٍّ من المانعين والمجيزين أدلتهم التي استدلوا بها.
[والسبب في اختلافهم]
اختلافهم في مفهوم قول الله سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {في كِتَابٍ مَّكُونٍ (٧٨) {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} [الواقعة:٧٨، ٧٩]، فالجمهور على أن المراد بالكتاب هو هذا المصحف الذي بين أيدينا (٣)، وأن المراد بـ "المُطهَّرون": الناس.
وأهل الظاهر الذين أجازوا مسَّ المصحف قالوا: المراد بذلك اللوح المحفوظ، والكتاب الموجود في ذلك اللوح (٤).
(١) مذهب الحنفية، يُنظر: "مختصر القدوري" (ص ١٩)، حيث قال: "ولا يجوز لمُحْدثٍ مسُّ المصحف إلا أن يأخذه بغلافه". ومذهب المالكية، يُنظر: "الشرح الكبير" للدردير (١/ ١٣٨) حيث قال: " (وتمنع الجنابة موانع)، أَيْ: ممنوعات الحدث (الأصغر)، وهي الثلاثة المتقدمة في قوله: ومنع حدث صلاة، وطوافًا، ومس مصحف". ومذهب الشافعية، يُنظر: "أسنى المطالب" لزكريا الأنصاري (١/ ٦٧) حيث قال: " (الفاتحة فقط للصلاة)؛ لأنه مضطرٌّ إليها؛ خلافًا للرافعي فى قوله: لا يجوز له قراءتها كغيرها، وأفاد قوله فقط أنه لا يجوز له مسُّ المصحف، ولا قراءة القرآن". ومذهب الحنابلة، يُنظر: "الإقناع" للحجاوي (١/ ٤٠) حيث قال: "وَيحْرم عليه مسُّ المصحف، وبعضه من غير حَائِلٍ ولو بغير يده حتى جلده وحواشيه، ولو كان الماس صغيرًا". (٢) يُنظر: "المحلى" لابن حزم (١/ ٩٤) حيث قال: "وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز، كل ذلك بوضوءٍ وبغير وضوءٍ، وللجنب والحائض". (٣) يُنظر: "تفسير القرطبي" (١٧/ ٢٢٥) حيث قال: "قال مجاهد وقتادة: هو المصحف الذي في أيدينا". (٤) يُنظر: "تفسير القرطبي" (١٧/ ٢٢٤)، حيث قال: "وقال جابر بن زيد وابن عباس أيضًا: هو اللوح المحفوظ".