رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلرَّجُلِ:"اذْهَبْ بِهِ، فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ" قَالَ: فَذَهَبَ بِهِ، فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ. قَالَتْ: فَمَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ".
وهذا الحديثُ - كما ترى - ليس في السَّلم وإنَّما في القرض، والقرض غير السَّلم، وقد يُسمَّى القرض سلفًا (١)، لكنَّه ليس السلفُ الذي هو السَّلم، وغاية الأمر: أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل بيته فلمَّا لم يجد، أرسل إلى خوله بنت حكيم يطلب منها سلفًا؛ أي: قرضًا.
[فوائد تربوية من الحديث]
[الفائدة الأولى]
هذا الحديثُ يُبيِّن منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الناس؛ فهذا أعرابيٌّ يرفع صوته عليه - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يقول إلَّا الحق، يعدل ولا يظلم، ثم يقول الأعرابيُّ: وَا غَدْرَاه، فيتهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنَّه غدره، فلم يغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتأثر، ولم يَثْأَر لنفسه؛ بينما الصحابة - رضي الله عنه - غضبوا لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: أنت من يغدر يا عدو الله، وحُقَّ للصحابة أن يقولوا هذا الكلام.
[الفائدة الثانية]
يُبين الحديثُ خطورة الغضب، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لمَّا جاء إليه رجل، فقال: يا رسول الله أوصني، قال له:"لا تغضب"(٢) فاستقلَّ الرجل هذا الكلمة الواحدة: "لا" نافية، "تغضب" فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر
(١) قال ابن العربي: "السلفُ في لسان العرب اسمٌ يطلق على القرض، وعلى السلم". انظر: "القبس في شرح موطأ" (ص ٣٨١). (٢) أخرجه البخاري (٦١١٦)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أنَّ رجلًا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أوصني، قال: "لا تغضب" فردد مرارًا، قال: "لا تغضب".