وفي روايةٍ أُخْرى:"أيُّما إِهَابٍ دُبغَ؛ فقد طَهُرَ"(١).
وَ"أَيُّ " مِن صِيَغِ العُمُوم كمَا يقول أهل الأصول، فيَعُم أيَّ جلدٍ دُبغ، فهو طاهر.
ثم حديث عبد الله بن عكيم "أنَّ الرَّسُولَ - صلى الله عليه وسلم - كتبَ إلَى جهينة كتابًا: "إنِّي كنتُ رخصتُ لكم في جلود الميتة، فإذا وَصَلكمْ كتَابي هذا، فلَا تنتَفِعُوا مِن الميتة بإِهَابٍ " (٢).
وفي بَعْض رِوَايتِهِ: "ولَا عَصَب "، وكان ذَلكَ قبل مَوْته بشَهْرٍ، وَفِي بعض الرِّوايات: "بشَهْرين " (٣)، وفي بَعْضها: "بأَرْبعينَ يومًا" (٤)، وفي بعضها: "بِعَامٍ " (٥)، وهو الذي ذَكَره المؤلف.
وَسَيأتِي أنَّ الذين قالوا بأنَّ كلَّ جلد مَيْتة دبغ أو لم يدبغ؛ فهو نجسٌ، يأخُذُون بحديث عبد الله بن عُكَيم، وَيرَون أنه نَاسخٌ لتلكَ الأحَاديث، أمَّا الفَريق الآخر، فَلَهم كلامٌ في حديث عبد الله بن عكيم.
إذًا، الذين قالوا بأنَّ جِلْدَ كلِّ ميتةٍ طاهرٌ، يقولون: "هلَّا انتفعتم بجلدها"، والذين يقولون بأن الجلد إذا دبغ فهو طاهر، يأخذون بالأحاديث الأُخرى، وهو مذهب الشافعية ومَن معَهُم، والذين يقولون بأنَّ ذلك خاصٌّ
(١) أخرجه النسائي (٤٢٤١) وغيره، وصححه الأَلْبَانيُّ في "صحيح الجامع" (٢٧١١). (٢) أخرجه أبو داود (٤١٢٨) وغيره، عن الحكم بن عتيبة، أنه انطلق هو وناسٌ معه إلى عبد الله بن عكيم (رجل من جهينة)، قال الحكم: فدخلوا وقعدت على الباب، فخرجوا إليَّ فأخبروني أن عبد الله بن عكيم أخبرهم أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى جهينة قبل موته بشهر: "ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب، ولا عصب "، وصححه الأَلْبَانيُّ في "إرواء الغليل" (٣٨). (٣) أخْرَجه الطّبراني في "الأوسط" (٣/ ٤٠) عن عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله إلى أرض جهينة قبل وفاته بشهرين: "ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". (٤) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (١/ ٢٣) قال: قال الشيخ رحمه الله تعالى: وقد قيل في هذا الحديث من وجهٍ آخر: قبل وفاته بأربعين يوماً. (٥) لم أقف عليها.