وقال الإمامان الشافعي وأحمد (٣): تثبت الحُرمة في الحولين، أما أبو حنيفة فله تفصيل في ذلك: فهو يوافقهما في الحولين لكنَّه يمد ذلك إلى ثلاثين شهرًا.
فالسَّنة اثنا عشر شهرًا، إذًا السنتان أربعةٌ وعشرون شهرًا، فأبو حنيفة يزيدها نصف عام آخر، أي: ستة أشهر، فيُتمّ ذلك إلى ثلاثين شهرًا، وهو يستدلُّ بالآية في قوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف: ١٥]، ويرى أن الفصال هنا ليس المراد به الحمل المعروف، لكن العلماء ردُّوا على ذلك، وقد جاء ما يفسر الآية: وهو أن المراد بذلك إنما هو الفصل، أي: الحمل المعروف، والمراد بالفصال إنما هو الرضاع ومدته سنتان، وأن الحمل قد يكون ستة أشهر، وقد فسر ذلك عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وهذا سيأتي - إن شاء الله - تفصيله في أبوابٍ تتناول ذلك. لكن العلماء ردّوا هذا القول لأبي حنيفة.
فأبو حنيفة من حيث الجملة، له رواية مع جمهور الصحابة، والفقهاء أيضًا وله هذا القول.
(١) يُنظر: "تبيين الحقائق" للزيلعي (٢/ ١٨٣) حيث قال: والفطام في مدة الرضاع غير معتبر كما أن الرضاع بعد مدته غير معتبر فطم أو لم يفطم، وذكر الخصاف أنه إن فطم قبل مُضي المدة وأستغنى بالطعام لم يكن رضاعًا، وإن لم يستغن ثبتت به الحرمة وهو رواية عن أبي حنيفة وعليه الفتوى. (٢) يُنظر: "نهاية المحتاج" للرملي (٧/ ١٧٥) حيث قال: (وشرطه)، أي: الرضاع المحرم، أي: ما لا بدَّ منه فيه فلا ينافي عده فيما مر ركنا (رضيع حي) حياة مستقرة فلا أثر لوصوله لجوف من حركته حركة مذبوح وميت اتفاقًا لانتفاء التغذي (لم يبلغ) في ابتداء الخامسة (سنتين) بالأهلة ما لم ينكسر أول شهر فيتمم ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين، فإن بلغها لم يحرم ويحسبان من تمام انفصاله لا من أثنائه، وإن رضع وطال زمن الانفصال. (٣) يُنظر: "كشاف القناع" للبهوتي (٥/ ٤٤٥) حيث قال: ولا تثبت الحرمة بالرضاع إلا بشروط أحدها: أن يرتضع في العامين ولو كان قد فطم قبله، أي: قبل ذلك الرضاع لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}.