ويقف عند الحجر الأسود ويقول:"واللهِ إني لأعلم إنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلك ما قبَّلتك"(١).
هذا هو شأن المؤمنين حقًّا؛ إذ يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤)} [الأنفال: ٢ - ٤]. وقال أيضًا: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (٦٣)} [مريم: ٦٣].
وشيخ الإسلام رحمه الله قد انصرف عن كل أمر حتى انشغل عن الزواج؛ لأنه وجد أن عصره بحاجة إليه، إذ هو رجل ولا كل الرجال، فلو اجتمع جمع غفير من الرجال لم يستطيعوا أن يقولوا ولا أن يؤدوا بعض ما أدَّاه.
وهو رجل قد رزقه الله سبحانه وتعالى قوَّة الإيمان، وقوة الإخلاص؛ إذ وقَّفَ نفسه لخدمة هذا الدين، يجتمع عدد غفير من العلماء ليناقشوه فينقطع أعماله، ما انقطع يومًا من الأيَّام؛ لأنه أخلصَ لله سبحانه وتعالى؛ لأنه طلب العلم خالصًا لوجه اللّه.
بل يناقش بعض العلماء في مذاهبهم فينقطعون ولا ينقطع، ويطلبون منه أن يؤجّل الأمر، وهو نفسه رحمه الله يقول:"وكنت أعلم أنهم يريدون الإعداد لذلك، لكن المسألة تتكرر"(٢).
رحمه الله نظر إلى هذه الأدلة نظرة العالم الفاحص العميق الذي قَلَّب هذه الشريعة الإسلامية فأدرك لُبَّها، وغاص في أعماقها، وتذوَّق من أسرار هذه الشريعة، وشرب من صفائها ولذلك اتَّجه رحمه الله إلى ما يقوله جمهور العلماء أصلًا بأن التحديد ينبغي أن يكون في الصغر، أي: أن
(١) أخرجه البخاري (١٥٩٧)، ومسلم (١٢٧٠٩). (٢) لم أقف على هذا القول.