فيقول لها:"أمطري أين كنت فسيأتيني خراجك"(١). ذلك دليل على اتِّساع الدولة الإسلامية التي امتدت حتى وصلت إلى بلاد الأندلس، فلمَّا انشغل المسلمون بالمعارك والنزاعات ونسوا كتاب الله سبحانه وتعالى وقصروا فيما يجب عليهم، زالت هيمنتهم (٢)، وضعفت كلمتهم، وفلّ (٣) أعداء المسلمين قناتهم (٤)، وكسروا شوكتهم (٥)، هذه هي حال المسلمين، فلو أنهم عادوا إلى كتاب الله عز وجلَ وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا ما يتعطش (٦) إليه المسلمون في كلِّ مكان، لعادوا كما كانوا رسل خير، هداية وقادة أمم.
ألم يكن العرب في الجاهلية رعاة شاة وغنم، وكان أحدهم يضع على يده صنم فيسجد له ثم إذا يجوع فيأكله (٧)، وربما يفسَّر هذا بضعف العقول ثم جاء الإسلام فصقل (٨) تلك العقول فنظمها حتى أشرقت بنور الإيمان، واستضاءت بنور الإخلاص فتغيرت الأحوال؟!
فيأتي عمر - رضي الله عنه - الذي وقع في أمر من تلك الأمور في الجاهلية -
(١) هذا أشتهر على ألسنة المعاصرين ولم أقف على من نسبه لهارون الرشيد من المتقدمين، لكن الذي وقفت عليه أنه من كلام هشام بن عبد الملك. انظر: "سبل الهدى والرشاد"، للصالحي (٣/ ١٢٨)، حيث قال: "واتفق ذلك في زمن هشام بن عبد الملك حتى جيء إليه خراج الأرض شرقًا وغربًا، وكان إذا نشأت سحابه يقول: "أمطري حيث شئت فسيصل إليَّ خراجك"". (٢) هيمن يهيمن هيمنة: إذا كان رقيبًا على الشيء. انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (٦/ ١٧٧). (٣) فلَّ القوم فانفلوا، والفل: الكسر وجمعه فلول، ويقال: فلك: كسرك بخصومته وعذله. انظر: "الغريبين" للهروي (٥/ ١٤٧٥). (٤) "القناة": الرمح وواحدة القنى. "معجم ديوان الأدب"، للفارابي (٤/ ٢٨). (٥) يشاك شوكًا، أي: ظهرت شوكته وحدته، فهو شائك السلاح. انظر: "الصحاح" للجوهري (٤/ ١٥٩٥). (٦) "تعطش": تكلف العطش. انظر: "القاموس المحيط" للفيروزآبادي (ص ٥٩٨). (٧) يُنظر: "فتح الباري" لابن حجر (١٠/ ٣٨٤) حيث قال: وذكر القرطبي أن أهل الجاهلية كانوا يعملون الأصنام من كل شيء حتى إن بعضهم عمل صنمه من عجوة ثم جاع فأكله. (٨) "الصقل": الجلاء، وبالسين جائز. انظر: "العين" للخليل (٥/ ٦٤).