للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى وغفر له وأسكنه فسيح جناته ومن قضايا التتار الذين جاؤوا من أقصى الشرق لا يلوون (١) على أمَّة حتى جعلوها رميمًا (٢)، ولا على بلد إلا حولوه رمادًا، وكانوا يسيرون كما قال ابن الأثير: كالرماد إذا درَّ فسرت إلى الريح (٣).

كانوا يسيرون في البلاد تقتيلًا وسلبًا ونهبًا (٤) حتى وصلوا إلى قصبة الخلافة الإسلامية في ذلك الوقت (بغداد) فهاجموها والمسلمون منشغلون بالخلافات، والله تعالى يقول: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: ٤٦] فاستطاع هذا الرجل أن يوحّد بين دولتين في ذلك الوقت، بين دولتي الشام ومصر فأصبح يتردد بينهما حتى استطاع أن ينسج منهما دولة واحدة، وأن يؤلف القلوب وأن يرفع المنكرات وأن يحاربها وأن يصفي النفوس، فرجع المسلمون جميعًا إلى دين الله سبحانه وتعالى، وأدركوا أن العزَّة والنصر إنما هو في الرجوع إلى دين الله كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١)} [غافر: ٥١]، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٤٠] فعاد التتار مرة أخرى، لكن المسلمين أذاقوهم كأس الموت كما أذاقوهم أول مرة، لأن المسلمين رجعوا إلى الله.

فلو أن المسلمين رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى وطبقوا هذه الشريعة الخالدة التي تُطبق في هذه البلاد وترون هذه الخيرات والسعادة؛ لعادت لهم عزتهم، وقوتهم ومجدهم، ومكانتهم، ولهابهم العالم ولساسوه.

ألم يكن الرشيد رحمه الله يرفع طرفه إلى السماء فينظر إلى السحابة


(١) لا يلوي، أي: لا يلتفت ولا يعطف عليه. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١٥/ ٢٦٤).
(٢) "الرميم": العظام البالية وكذلك الرمة. "مجمل اللغة" لابن فارس (ص ٣٦٩).
(٣) عبارة ابن الأثير في "الكامل في التاريخ" (١٠/ ٣٣٤) قال: لهذه الحادثة التي استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح.
(٤) "النهب": الغنيمة، والجمع النهاب. والانتهاب: أن يأخذها من شاء. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>