العلوم ينبغي أن يكون منفذًا وموعظة لنا جميعًا؛ فعلم النحو نجد فيه من المواعظ، وعلم التاريخ نجد فيه من الحوادث والقصص والعبر الشيء الكثير الذي لو وقع على حجر لأثَّر فيه، وفي كتاب الله عز وجل من العبر والقصص والأمثال ما يكفي درسًا وموعظة كما قال تعالى:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر: ٢١]، وفي الآية الأخرى يقول:{وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت: ٤٣].
وفي سورة يوسف يقول أيضًا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)} [يوسف: ١١١]، فكلُّ درس من الدروس التي نأخذها كعلم العقيدة، والحديث، والتفسير، والفقه لا بد أن نستفيد منها، لا يكفي أن نتعلم العلم ونحفظ مسائله، لا بد أن نأخذ منه العبر وأن نأخذ منه الدروس والمواعظ لنطبقها على أنفسنا، ثم نحاول قدر الإمكان أن ننقلها للآخرين، فكما قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "فوالله لأنْ يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حُمرِ النِّعَم"(١)، وفي قصة خيبر عندما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لأُعطينَّ الراية غدًا لرجل يحِبُّهُ اللهُ ورسولُه ويحِبُّ اللهَ ورسولَه"(٢). فاشتاقَت نفوس الصحابة لذلك واشرأبت (٣)
(١) "النعم": البهائم، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل، والإبل الحمر: أعز أموال العرب، فأخبر أنها خير من الأموال النفيسة. انظر: "طلبة الطلبة" للنسفي (ص ١١). (٢) أخرجه البخاري (٣٠٠٩) ومسلم (٢٤٠٦/ ٣٤) عن سهل بن سعد، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر: "لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح على يديه، يحب الله ورسوله، وبحبه الله ورسوله"، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: "أين علي؟ "، فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي اللّهُ بك رجلًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم". (٣) اشرأب الرجل للشيء وإلى الشيء: مدَّ عنقه إليه، وقيل: هو إذا ارتفع وعلا. يُنظر: "لسان العرب" لابن منظور (١/ ٤٩٣).