هذه حاجات عندما يتذكرها الإنسان ينضح (١) قلبه أسًى (٢) ولوعةً (٣)، ويتألم أن يرى نفسه في هذه المجتمعات التي تنتشر فيها الخيرات وتتعدد وتتنوع ومع ذلك نجد بعض المؤمنين والمسلمين يتأوه (آه، آه أنا أحوالي كذا وكذا وليس عندي كل ما أتمناه)، بل إننا لو طوفنا في شرق الأرض ومغاربها لوجدنا أن كثيرًا من إخواننا المسلمين يعانون من الذُّلِّ ومن التقتيل والتشريد، كلُّ ذلك بسبب دينهم قال تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)} [البروج: ٨].
هذه قضايا لو دخل الإنسان فيها لتعرج (٤) عن درسه، لكنها أحيانًا خواطر تمرُّ بالإنسان ليتذكَّر هو أولًا وليتذكر أخوته معه، فكلُّنا نعرف كثيرًا من هذه الأدلة، لكننا نغفل وما أكثر ما نغفل، ولذلك كان رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - يوصينا بقوله:"تذكَّروا هاذم اللذات"(٥)، وهو الموت؛ لأنك إذا تذكرت هاذم اللذات صغُرَت في عينك الدنيا، فلا يكون أمامك صغير إلا عظم ولا عظيم إلا صغر، فتعظم أمامك أمور الدنيا وتشتاق إليها:
وأيضًا تصغر عندك العظائم (٦) في أمر الدنيا؛ لأنك تعلم أن ما عند اللّه خير وأبقى، فهذه دروس ينبغي أن نستفيد منها، فأيّ علم من
= قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة". (١) نضح الرجل عن نفسه، إذا دفع عنها بحجة. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٤١١). (٢) "الأسى": الحزن على الشيء. انظر: "العين" للخليل (٧/ ٣٣٢). (٣) "اللوعة": حرقة يجدها الرجل من الحزن والوجد. انظر: "العين" للخليل (٢/ ٢٥٠). (٤) "التعريج على الشيء": الإقامة عليه. يقال: عرج فلان على المنزل، إذا حبس مطيته عليه وأقام. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٣٢٨). (٥) أخرجه الترمذي (٢٣٠٧) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا ذكر هاذم اللذات"، يعني: الموت. وصححه الألباني في "الإرواء" (٦٨٢). (٦) "العظيمة": النازلة الشديدة والمُلمة إذا أعضلت، جمعه العظائم. انظر: "تاج العروس" للزبيدي (٣٣/ ١١١).