وغير ذلك، بل إن من الأسباب الآن التي أدَّت إلى انتشار الأمراض كثرة الأكل وتنوعها وتعددها، وكان الناس فيما مضى ربما يحول عليهم الحول فلا يأكلون اللحم إلا مرة، فلا يخشون من العلل التي أصبح يذكرها الأطباء وينشرونها بين الناس.
إذًا لم تكن الحالة التي كان فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كحالتنا اليوم أو قريبة منها، فشتَّان بينهما؛ إذ كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يَمُرُّ عليه الشهر والشهران وليس في بيته إلا الأسودان - التمر والماء -، كما ذكرت عائشة - رضي الله عنها - (١)، وكان - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يربط على بطنه الحجارة فيشدّها على بطنه من شدَّة الجوع (٢)، ووجد ذلك في بعض أصحابه - رضي الله عنهم - (٣).
ويأتيه الضَّيفُ - صلى الله عليه وسلم - فلا يجد ما يقريه (٤) به فيرسله إلى أحد الأنصار فيقدّم له (٥).
(١) أخرجه البخاري (٢٥٦٧)، ومسلم (٢٩٧٢) عن عائشة - رضي الله عنها -، أنها قالت لعروة: ابن أختي "إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نار"، فقلت يا خالة: ما كان يعيشكم؟ قالت: "الأسودان: التمر والماء، … الحديث". (٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤٢٢٠) عن جابر، قال: "لما حفر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الخندق، أصابهم جهد شديد، حتى ربط النبي - صلى الله عليه وسلم - على بطنه حجرًا من الجوع". وقال الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط مسلم". (٣) أخرجه البخاري (٦٤٥٢) عن مجاهد أن أبا هريرة، كان يقول: الله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع … الحديث". (٤) "القرى": الإحسان إلى الضيف، قراه يقريه. انظر: "العين" للخليل (٥/ ٢٠٤). (٥) أخرجه مسلم (٢٠٥٤) عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، فقال: "مَن يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ "، فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا، يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، =