الضعف الذي دبَّ إلى نفسك، وربما أوقعك في المهالك والأخطاء، ولذلك لا يقضِ القاضي حين يقضي وهو غضبان (١).
فالرسول قال له:"لا تغضب"؛ لأن الإنسان إذا لم يغضب استطاع أن يسيطر على نفسه، ولذلك حذَّر الوسول - صلى الله عليه وسلم - من التسرُّع من هفوات اللسان فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَمْسِكْ عليك لسانَك"(٢)، وقال أيضًا:"مَن يضمن لي ما بين فكيه وما بين فخذيه أضمن له الجنة"(٣)، أي: أكفُل له الجنة.
هكذا - صلى الله عليه وسلم - تأثَّر في هذا المقام وأمسكَ نفسه وهو غاضب، فأدركت عائشة - رضي الله عنها - ذلك، وانظروا إلى المرأة اللبيبة (٤)، الفطنة (٥) أدركَتْ لمَ غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ولِمَ تأثر ولِمَ تغير وجهه؟ لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدرك أن لهذا الضيف كرامة وأنه ينبغي أن يُنزَّل المنزلة اللائقة به، ولذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمسكَ، لكن الأثر ظهر على جبينه - صلى الله عليه وسلم -، وفي تقاسيمِ وجهه، فعرفت ذلك عائشة حقّ المعرفة فبيَّنت للرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يرفع اللَّبس وما يُزيل الإشكال، وما يدفع الإيهام، وما يطرح الشبهة، قالت:"إنه أخي من الرضاعة".
فقال الوسول - صلى الله عليه وسلم -: "ائذن لإخوانكن من الرضاعة". ذكر الحكم ثم بيّن العلة:"إنَّما الرَّضاعةُ من المجاعة"(٦)، فهذا حُجّة للَّذين يقولون: بأنَّ الرضاعة ينبغي أن تكون في نطاق العامين أو في قدر الفِطام؛ لأنَّ هذا
(١) أخرجه البخاري (٧١٥٨)، ومسلم (١٧١٧) عن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان". (٢) أخرجه الترمذي (٢٤٠٦) وغيره ولفظه عن عن عقبة بن عامر، قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابْكِ على خطيئتك". وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٨٩٠). (٣) أخرجه البخاري (٦٤٧٤) ولفظه: عن سهل بن سعد، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة". (٤) "اللبيب": العاقل. انظر: "الصحاح" للجوهري (١/ ٢١٦). (٥) (فطن) الذكاء والعلم بالشيء. انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (٤/ ٥١٠). (٦) تقدَّم تخريجه.