للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تطلع عليها وتطلع منك على ما لم يطلع عليه غيركما بالنسبة لكلِّ واحد من الآخر.

فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تأثَّر وظهر الغضب على وجهه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يغضب عندما يرى أيَّ أمر يتأثر منه.

ولذلك ممَّا ذكروا في خُطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان إذا صعد المنبر احمرَّت عيناه، وعلا صوته، وأظهر غضبه كأنَّه منذر جيشِه، يقول: "صبَّحكم ومسَّاكم" (١)، وهذا هو الشأن، وكلُّ خطيب ينبغي أن يتفاعل معه الناس، وينبغي أن يعالج مشكلات المجتمع بالقسطاس (٢) المستقيم، فدائمًا ينبغي أن يتعرَّف على مشكلات المجتمع، وما يحدث فيه من أمور فإنَّك تأخذها وتعالجها علاجًا مستقيمًا لا انحراف فيه، فتضع الدواء في هذا المقام لترفع عن ذلك الدَّاء، إذًا تزيل الداء بإقامة الدواء مكانه، ولا شكَّ أن علاج ذلك في كتاب الله عز وجل وفي سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فتغير وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وغضب، وهذا هو شأن المؤمنين عمومًا أن يجد إنسان رجلًا غريبًا عند زوجته لا شكَّ أنه سيتأثر، لكن لا ينبغي أن يدفعنا الغضبُ ويستولي على نفوسنا الشيطان فربَّما يقع الإنسان في أمر قد يندم عليه كالطلاق، أو السب وغير ذلك من أمور، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦].

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك نفسه عند الغضب، ولذلك عندما جاءه رجل فقال: "يا رسول الله، أوصني"، قال: "لا تغضب" (٣). "لا" نافية للجنس، و"تغضب" فعل مضارع مكون من فعل وفاعل، إذًا هي جملة فعلية؛ لأنك إذا غضبت إنما نفذ الشيطان إلى نفسك فاستغلَّ في نفوذه هذا


(١) أخرجه مسلم (٨٦٧) عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتدَّ غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم"، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين … الحديث".
(٢) "القسطاس": أقوم الموازين. انظر: "العين" للخليل (٥/ ٧١).
(٣) أخرجه البحاري (٦١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>