للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقالة، وأن السَّلف كما أنهم أسلم وأنَّهم - رضي الله عنهم - كذلك أعلم؛ لأنهم أخذوا هذا العلم من مشكاةِ النبوة، وتلقَّوْه من فِيهِ - صلى الله عليه وسلم - شافيًا نقيًّا لم تشوبه شائبة، ولم يخالطه أيّ كدر وأيّ إشكال.

إذًا الرسول - صلى الله عليه وسلم - يغار (١)، وكل مؤمن يغار، وهذه صفة قد وضعها الله سبحانه وتعالى في كلِّ مؤمن، والذي لا يغار على أهلِه فهو ديُّوث (٢)، ولذلك نجد أن هذا الحديث أشار إلى غَيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا حصل لأبي حذيفة؛ فإنه في بعض الروايات ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يحصل من غيرة أبي حذيفة فامرأته يدخل عليها سالم فَضْلى ليس عليها إلا ثوب واحد.

فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أرضعيه تُحرمي عليه" (٣)، ويزول ما في نفس أبي حذيفة، فالمسلم يغار، وهذا واجب على كلِّ مسلم.

لكن لا ينبغي أن تبلغ بنا الغَيرة إلى درجة الشكِّ والظُّنون السيئة، فينبغي دائمًا أن نحسن جميعًا الظنَّ بإخواننا المؤمنين، سواء كان هذا المؤمن أخًا، أو كان صديقًا، أو كان بعيدًا ما دام يجمعك به أخوة الإسلام، ومن باب أولى أن يكون قريبًا لك وبخاصَّة إذا كانت لك زوجة


= وكان فيها علم بمعقول وتأويل لمنقول ومذهب السلف عنده عدم النظر في النصوص وفهم المراد منها دون النظر إلى التعارض والاحتمالات وهذا عنده أسلم … فلو تبيَّن لهذا البائس وأمثاله أن طريقة السلف إنما هي إثبات ما دلَّت عليه النصوص من الصفات وفهمها وتدبرها وتعقل معانيها وتنزيه الربّ عن تشبيهه فيها بخلقه كما ينزهونه عن العيوب والنقائص … علم أن طريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم وأهدى إلى الطريق الأقوم وأنها تتضمن تصديق الرسول فيما أخبر وفهم ذلك ومعرفته.
(١) منها ما أخرجه البخاري (٤٣٢٤) ومسلم (٢١٨٠) عن أمِّها أم سلمة - رضي الله عنها -، دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعندي مخنث، فسمعته يقول لعبد الله بن أبي أمية: يا عبد الله، أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدًا، فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخلن هؤلاء عليكنَّ".
(٢) "الديوث": هو الذي لا يغار على أهله. وقيل: هو سرياني معرب. انظر: "النهاية" لابن الأثير (٢/ ١٤٧).
(٣) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>