للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قوله: (وَالثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ، خَرَّجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، قَالَتْ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَعِنْدِي رَجُلٌ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ"، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ مِنَ الرَّضَاعَةِ؛ فَإِنَّ الرَّضَاعَةَ مِنَ المَجَاعَةِ" (١)).

هذا الحديثُ يشتمل على عدَّة أحكام وحِكَم، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - دخل على عائشة، وعائشة إنما هي زوج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وابنة أبي بكر، ولها مكانة عظيمة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي قلب كل مؤمن، وليس هذا خاصًّا بها، بل ينبغي أن يكون ذلك عامًّا لكلِّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجالًا ونساء، وينبغي تكريم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والترضي عنهم، والدعاء لهم وأنهم قد خدموا هذا الدين، وقد أفنوا أعمارهم في الدفاع عن كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي سُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن الله سبحانه وتعالى قد رضي عنهم بقوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: ١٨]، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد ماتَ وهو راضٍ عنهم، وبيَّن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضلهم وما اختصَّ به سبحانه وتعالى لهم من المكانة العظيمة، وأنه لو أنفق أحدنا مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه (٢).

ولقد تكلَّم ابن القيم رحمه الله عن هذا وبيَّنها بيانًا شافيًا عندما تعرض لقضية: "السلف أسلم والخلف أعلم" (٣). فإنه رحمه الله قد بيَّن بطلان هذه


(١) تقدَّم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٧٣) ومسلم (٢٥٤٠) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبُّوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ، ذهبًا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه".
(٣) يُنظر: "الصواعق المرسلة" لابن القيم (٣/ ١١٣٣ - ١١٣٤) حيث قال: فلما أفهموا النفاة والمعطلة أن هذه طريقة السلف قال: مَن قال منهم طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم؛ لأنه اعتقد أن طريقة الخلف متضمنة لطلب معاني نصوص الإثبات ولنفي حقائقها وظواهرها الذي هو باطل عنده فكانت متضمنة للعلم والتنزيه، =

<<  <  ج: ص:  >  >>