التاريخ به يمكن الجمع بينه وبين غيره؛ لأنَّه ما أشَار إلى الجلد قبل الدَّبغ، وإنما قال:"ألَا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"(١)، وأطلق، وهو حديث مطلق، وتلك أحاديث مقيدة.
إذًا باختصار -كمَا نرَى- الأقوال هنا سبعةٌ، والمؤلف لم يفسِّرها، ونحن قَدَّمنا جملةً عنها، وقلنا: إنَّ هناك مَن يرَى أن حديث ابن عكيم ناسخ، وهناك مَن يذهب مذهب الجَمْع، وهناك مَن يذهب مذهب التَّرجيح، ولا شك أنَّ الأَوْلَى في ذلك هو مسلك الذين جمَعُوا وتَرجَّح عندهم أن جلد الميتة إذا دبغ، فإنه يطهر، وأما قبل الدَّبغ فليس بطاهر.
هذَا القولُ الَّذي تلتقي حوله الأدلة، وأمَّا الخِلَافُ بعد ذلك في التَّفريق بين حيوانٍ وحيوانٍ، فهذه مسائل لم يعرض لها المؤلف، ولكن كما نبهت على أن مِنَ العلماء مَن استثنى الخنزير وَحْدَه، وَمِنهُم مَنْ ضم إليه الكَلب، ومنهم أيضًا مَنْ لم يَسْتَثنِ شيئًا من ذَلكَ، وَمنهم مَنْ أضَاف إلَى ذلك جلود السِّباع، والمَسْألة فيها خِلَافٌ معروفٌ بين العلَماء، ولا نريد التفصيل في ذلك، بَلْ يكفي أن نُشيرَ إليها جملةً.
(١) تقدم تخريجه. (٢) يُنظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" للحازمي (ص ٥٧) حيث قال: "وطريق الإنصاف فيه أن يقال: إن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في النسخ -لو صح- ولكنه كثير الاضطراب، ثم لا يقاوم حديث ميمونة في الصحة. وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أصح ما في هذا الباب في جلود الميتة إذا دبغت حديث ميمونة، وروينا عن الدوري أنه قال: قيل ليحيى بن معين: أيما أعجب إليك من هذين الحديثين: لا تنتفع من الميتة بإهابٍ ولا عصبٍ، أو دباغها طهورها؟ قال: دباغها طهورها أعجب إليَّ، وإذا تعذَّر ذلك فالمصير إلى حديث ابن عباس أولى؛ لوجوه الترجيحات … ".