وفاسد ومكروه ومباح، وفي هذا تناقض، وإن التناقض منفي عن أحكام الله تعالى، فثبت أنَّ إجراء هذا اللفظ لو ثبت في أصله إنما كان في الفروع ممن هو (١) أهل الاجتهاد، وأما في حقِّ من ليس من أهل الاجتهاد فإنما يتابع من هو أعلم منه.
قال الصَّدر السَّعيد أبو المفاخر الكَرْماني صاحب "جواهر الفتاوى" بعد نقل مسألة المبتلى: قلْتُ: وتمام الكلام في "فتاوى الكرخي" فليراجع إليه، وفي "التقرير" لابن أمير حاج في شرح "التحرير" لابن الهمام: قالوا: المفتى على مذهب إذا أفتى بكون الشيء واجبًا أو مباحًا أو حرامًا ليس له أن يقلِّد ويفتي بخلافه، لأنّه محضُ تشهي.
ونقل (٢) الصَّدر السَّعيد الكَرْماني في "جواهر الفتاوى" من كتاب فتاوى الحاوي: حكي أنَّ رجلًا من أصحاب الجماعة خطب إلى رجل من أصحاب الحديث ابنته في عهد الشَّيخ أبي بكر الجَوْزَجاني -وهو تلميذ أبي سليمان الجُوْزَجاني، صاحب "المبسوط" تلميذ الإمام محمَّد، أستاذ إمام الهدى أبي منصور الماتريدي- فأبى الرجل أن يزوِّجه إلا أن يترك مذهبه بمذهب أصحاب الحديث؛ فيقرأ خلف الإمام، ويرفع يديه عند الانحطاط، ونحو ذلك، فأجابه إلى ذلك، فزوَّجه.
فقال الشَّيخ في مجلس العامة بعد ما سئل عن هذه الحادثة وبعد ما أطرق رأسه وسكت: النكاح جائز، ولكن أخاف على هذا الرجل أن يذهب إيمانه وقت النَّزع. قيل له: ولماذا؟ قال: لأنَّه استخفَّ بمذهبه الذي هو حقٌّ عنده وتركه لأجل تزوج امرأة، وأخذ مذهبًا هو عنده ليس بحقٍّ، أفلا أخاف على دينه لاستخفاف مذهبه؟!
ولو أن رجلًا من أهل الاجتهاد برئ من مذهبه في مسألة أو أكثر منها لما وضح له في ذلك من الكتاب أو السنة أو غيرهما من الحجج لم يكن ملومًا أو