لواصل بن عطاء، فما كان الحسن ممَّن يخالف السلف في أنَّ القدر خيره وشره من الله تعالى، فإن هذه الكلمة كالمجمع عليها عندهم.
كان واصل بن عطاء تلميذ الحسن البصري، يقرأ عليه العلوم والأخبار، وكان في أيام عبد الملك وهشام بن عبد الملك، وكان قد دخل واحد يومًا على الحسن البصري فقال: يا إمام الدِّين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفِّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تخرج به عن الملَّة، وهم وعِيدِيَّة الخوارج، وجماعة يرجون أصحاب (١) الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس من الإيمان ركن، ولا يضرُّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة، وكيف تحكم لنا في ذلك الاعتقاد؟
فتفكَّر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: إنَّا لا نقول: إنَّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلق، ولا كافر مطلق، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرِّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن. فقال له الحسن: اعتزل عنَّا واصل، فسمِّي هو وأصحابه معتزلة.
ووجه تقريره أنّه قال: إنَّ الإيمان عبارة عن جميع خصال الخير، إذا اجتمعت سُمِّي المرء مؤمنًا وهو اسم مدح، والفاسق لم يستجمع هذه الخصال ولا استحق اسم المدح فلا يُسمى مؤمنًا، وليس هو بكافر مطلق أيضًا؛ لأنَّ الشهادة أكبر أعمال الخير موجودة فيه، ولا وجه لإنكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة فهو من أهل النار خالدًا فيها؛ إذ ليس في الآخرة إلا الفريقان: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧]، لكنه مخفف عنه العذاب، وتكون دَرَكته دون دَرَكة الكفار.