حتى يظهر الفجر الصادق، إذًا، هناك غاية ومغيًّا، كقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة: ٦]، وقد فصلنا الكلام في مسألة دخول ما بعد الغاية في المغيَّا في أبواب الوضوء والطهارة، فليرجع إليه.
أما النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، أي: أنَّ بيعها قبل ظهور صلاحها ونضجها لا يجوز، لأن الغاية هي ظهور صلاحها.
وهذا يُظْهِرُ ما في هذه الشريعة من الرحمة والعناية بأمور الناس، وحرصها ألَّا يضيع حق واحد بيد آخر، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَع اللَّهُ الثَّمَرَةَ"، لا يحصل شيء إلا بإرادة الله - سبحانه وتعالى - وبقدرته، فإذا ما نزلت آفة من السماء كأمطارٍ غزيرةٍ فأثَّرت على الثمار، أو رياح عاتية، أو جائحة من الجوائح - والمراد بالجائحة، أي (٢): التي تخرج عن قدرة الإنسان - كحريق أو غيره، ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فَبِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ"؟ (٣).
فبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - العلة في المنع، وهي الضرر الواقع على المشتري، فكيف يأكل البائع مال أخيه ولمَّا يستفد بهذه الثمرة التي اشتراها.
وقد يقول قائلٌ: قد تضرر البائع أيضًا؟!
(١) تقدم تخريجه. (٢) "الجائحة": وهي الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها، وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة: جائحة، والجمع جوائح. انظر: "النهاية" لابن الأثير (١/ ٣١١، ٣١٢). (٣) تقدم تخريجه.