والمقيل يقصد به مكان القيلولة (١)، فَكَذلك المحيض هنا، قالوا: يطلق وُيراد به مكان الحيض.
وَقَد اعْترَضَ عَلَيهم الآخرون بما يلي:
قالوا: مَا المَانع أن يُرَاد به أيضًا نفس الأذى -أي: الحيض- لأن هذا معروف لغةً (٢)، وقد قال اللّه تعالى في أول الآية:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}، قالوا: فلا شك أن المحيض هنا إنما هو الحيض بدليل وَصْفه بالأذى؛ لأن الأذى هو الحيض.
وقالوا أيضًا: لقد قال اللّه تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ}[الطلاق: ٤]، والمراد بالمحيض في هذه الآية إنما هو الحيض أيضًا، فالمحيض يُطلق ويراد به الحيض -أي: الدم- كما يطلق ويراد به مكان الحيض، أي: الفرج.
فمن رأى أن المراد هو المكان، رجَّح ذلك بعدة أمورٍ:
منها: أن في الآية ما يدل على أن المراد بذلك إنَّما هو مكان الحيض.
قالوا: لأنَّ الآيةَ لها سبب؛ لأنَّ اليهود -لعنهم اللّه- كانت المرأة منهم إذا حاضت لا يؤاكلوها، ولا يجامعوها في البيت، فسأل أصحاب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ ذلك؟، فأنزلَ اللهُ -سبحانه وتعالى- قولَه:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، فقال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيءٍ بِالحَائِضِ إِلَّا النِّكَاحَ"(٣).
قالوا: فقَدْ جاء هذا الحديثُ مبيِّنًا ومفسِّرًا للمراد، فتَفْسير المَحيض بأنه مكان الحيض هو الذي يَلْتقي مع سَبَب نُزُول الآية، وهُوَ الذي أؤيده أنا، وذلك لما يلي:
(١) "المقيل": الموضع. انظر: "لسان العرب" لابن منظور (١١/ ٥٧٧). (٢) يُنظر: "مجمع بحار الأنوار" للفُتَّنِي (١/ ٦١٦) حيث قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}، أي: الدم أو زمنه أو مكانه (الفرج). (٣) تقدم تخريجه.