وقد نُهِي عن بعص البيوع لما فيها من الغرر، كنهي الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن تلقي الجلب (١)؛ لما فيه من الغرر، كإنسان يعترض طُرق الفلاحين ليصطادهم فيشتري منهم بالرخيص، وبعد ذلك يبيع للناس بأعلى، ويصدق هذا الصنيع مع الذين يقدمون بالتجارة.
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا"، وسبب هذا الحديث: أَنَّ النَّبِيَّ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَام (٢)، فَأَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِيهَا، فَإِذَا فِيهِ بَلَلٌ، فَقَال:"مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَام؟ "، قَالَ: أَصَابَتْهُ سَمَاءٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"فَهَلَّا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حتى يَرَاهُ النَّاس، مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا"(٣)، وفي رواية:"مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا"(٤)، وما أكثر الذين يسلكون هذه المسألك، فتجد كثيرًا من
(١) أخرجه مسلم (١٥١٩)، عن أبي هريرة، بلفظ: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتلقى الجلب"، وأخرجه البخاري (٢١٤٩)، عن ابن مسعود، بلفظ: "ونَهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن تُلَقَّى البيوعُ". و"الجَلَبُ": ما جُلِب من غنم أو شيء، والجميع الأَجْلاب، وتلقي الجلب: هو استقبال أهل البادية ونحوهم، وشراء ما يحملونه معهم قبل وصولهم إلى البلد. "شمس العلوم"، لنشوان الحميري (٢/ ١١٣٢)، و"معجم لغة الفقهاء"، لمحمد رواس قلعجي، وحامد صادق قنيبي (ص ١٤٥). (٢) "الصُّبْرة": الطَّعَامُ المجْتَمِع كَالكُومَةِ، وجمعُها صُبَر. "النهاية في غريب الحديث والأثر"، لابن الأثير (٣/ ٩). (٣) أخرجه ابن حبان (٤٩٠٥). وصحَّحه الألبانِيُّ في: "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (٧/ ٢٥٤). (٤) أخرجه الترمذي (١٣١٥)، وصحَّحَه الألبانِيُّ في "صحيح الترمذي" (٣/ ٣١٥)، وروي الحديث بألفاظ أخرى؛ فأخرجه مسلم (١٠٢) عن أبي هريرة، بلفظ: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي"، وأبو داود في "سننه" (٣٤٥٢)، بلفظ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ".